الجمعة الثامنة / الخامس والعشرين من صفر لعام 1438هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين وإحدى عشرة (211) في تعداد الجمع ، والثامنة( 8 ) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 25 / 2 / 1438 هـ ) بحسب التقويم و الرؤية .

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن كنت أعجبُ من جهل الفرق الضالة، وضعف عقولهم  فالأعجب منه تمسكهم بدينهم ، وإصرارهم عليه بل سعيهم لتصديره  ، وبذل المال والطاقة لنشره  ، وعجب قبلي من هو خير منا جميعا  ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه )  ( عجبت من جلد الفاجر وعجز الثقة )  ورويت  :  “اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة”  فإن كنا نعجب من جهلهم وضلالاتهم وإصرارهم على باطلهم  ، أفلا نعجب من جهل كثير منا -أهل السنة والجماعة – بشرائع ديننا وعدم العمل بأحكامه ،  عصيانا ( وجهلا ) ليس بالحكم ،  بل بقدر من نعصي سبحانه ، وقد أقر صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أن العاصي جاهل  ، ولكن يُخشى من الاستمرار على المعصية فهي والله البلية ،  فكثير منا يعلم الحكم  ولكن أين العمل !؟ .

لشيخنا الطنطاوي رحمه الله تعالى  في كتابه القيم ( مع الناس ) ( وفيه مقالات غاية في الروعة والإتقان سبكا ورصفا ، ووصفا وتدقيقا  ) ،  مقال في صفحة ( 131 ) من الطبعة الثالثة من دار المنارة  ، كتبه عام ( 1951 م )   قال فيه تعليقا على حوار  : بين رجلين وكان المعني به الطنطاوي رحمه الله  حيث نقد عليه أحدهما  (حسر الرأس وحلق اللحية)  ، وهو من هو في منزلته العلمية وعمله في القضاء ، فرد عليه الآخر( حاجتنا مشيخة !!  ) ابق على ما أنت عليه ،    فقال رحمه الله  : (أما حلق اللحية فلا والله ما أجمع على نفسي بين الفعل السيئ والقول السيئ ، ولا أكتم الحق لأني مخالفه ، ولا أكذب على الله ولا على الناس . وأنا أقر على نفسي أني مخطئ في هذا ،ولقد حاولت مراراً أن أدع هذا الخطأ ولكن غلبتني شهوة النفس وقوة العادة ، وأنا أسأل الله أن يعينني على نفسي حتى أطلقها فاسألوا الله ذلك لي فإن دعاء المؤمن للمؤمن بظهر الغيب لا يُرد إن شاء الله ” ا. هـ  ثم إن الشيخ علي الطنطاوي ذكر في هامش مقالته ما نصه : ـ 2 ” وقد أعانني ، فله الحمد “

فكم من حالق للحيته  مخالفا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد جاء الأمر  بخمسة ألفاظ في أحاديث صحيحة أمرا بإعفاء اللحية وهي  )أوفُوا(    )أرخُوا(    ) أرجُوا(     ) وفِّرُوا )   (أعفُوا )    ، وذكر شيخنا (الدكتور سليمان بن عبدالله الحبس )  إبان الطلب في كلية الدعوة بجامعة الإمام بالرياض ،  بين عامي ( 12 – و1416 )  أن في السنة  (أربعين حديثا ) ما بين صحيح وحسن  ، في وجوب إعفاء اللحية  ، ولمشايخنا الكرام فتاوى عديدة في وجوب إعفائها .

هذا ملخص لبحث بعنوان :  (السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء ) ، لحمدي عبد الله الصعيدي،   قرأته على الشبكة العنكبوتية  وهذا عنوانه  :

  اضغط هنا

وملخص ما يهمنا هنا  :   ذهب جمهور أهل العلم وفقهاؤهم إلى وجوب ترك اللحية على حالها وعدم الأخذ منها، بل ذهب بعض العلماء إلى القول بفرضيتها. 

1 . مذهب الحنفية: تذهب الحنفية إلى حرمة حلق اللحية، وعدم الأخذ منها إلا فيما زاد عن القبضة.

2 . مذهب المالكية: تذهب المالكية إلى حرمة حلق اللحية، حتى إنهم ليكادون يجمعون على حرمة حلق اللحية، إلا ما نقل عن القاضي عياض بالقول بالكراهة .

3 . مذهب الشافعية: تذهب الشافعية إلى القول بالكراهة التحريمية في حلق اللحية، ويقولون: إن الأولى تركها على حالها وعدم الأخذ منها .

4 . مذهب الحنابلة: تذهب الحنابلة إلى حرمة حلق اللحية، وقالوا باستحباب تركها على حالها وعدم الأخذ منها، وحرمة أخذ ما نقص عن القبضة .

فها هي أقوال أهل العلم، وآراء أصحاب المذاهب الأربعة، تثبت جميعها أن حلق اللحية حرام لا يجوز بحال، ويجب تركها على حالها ولا بأس في أخذ ما زاد عن القبضة. 

وهذا ما ترجحه جميع الأدلة، ويوافق عليه كل صاحب قلب مطمئن يؤمن بالله ورسوله، فهذا هو الحق المبين، الذي لا جدال فيه ولا مراء، ومما يدل على ذلك: 

  أن الأصل في الأمر الوجوب، ولا يصرف إلى الندب إلا لقرينة، وليست قرينة هنا، بل القرائن الموجودة على شدة الأمر ووجوبه.

  أن هذا فهم جمهور سلف الأمة في أن الأمر هنا للوجوب، كما تبين من خلال النقولات السابقة، مما دفع بعضهم إلى حكاية الأمر إجماعا.

  المفاسد الكثيرة من حلق اللحية، كالتشبه بالنسوان والمردان، والقضاء على تلك الشعيرة العظيمة، والتشبه باليهود والنصارى والمجوس.

فيتبين لنا أن الصحيح الراجح هو القول بالحرمة، والله الموفق والمعين. 

هذا، وقد ذهب العلماء المعاصرون – أيضا – إلى القول بوجوب إعفاء اللحية، وعدم أخذ ما نقص عن القبضة منها. 

فقد أصدرت اللجنة الدائمة فتوى لها بتحريم حلق اللحية، وجاء في هذه الفتوى: “من المستقر في الشرع المطهر وجوب إعفاء اللحية بدلالة الفطرة، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتوفير اللحية، والأصل في الأمر أنه للوجوب، والأمر بمخالفة المشركين من المجوس وغيرهم، والأصل في النهي أنه للتحريم” .

وقد صرح الشيخ ( ابن باز ) – رحمه الله –  بوجوب إعفاء اللحية بقوله: “وهذا اللفظ في الأحاديث المذكورة يقتضي وجوب إعفاء اللحى وإرخائها، وتحريم حلقها وقصها؛ لأن الأصل في الأوامر هو الوجوب والأصل في النواهي هو التحريم، ما لم يرد ما يدل على خلاف ذلك، وهذا هو المعتمد عند أهل العلم . انتهى

ومن العجب أن يأتي متفيهق فيقول : كم من حليق لا تفوته تكبيرة الإحرام  ، فأقول : هذا قد أحسن إلى نفسه بصلاته ، وأساء إليها بحلق لحيته ، فكلها من أوامر الله واتباعا لرسوله صلى الله عليه وسلم ، عسى الله أن يعفو عنا وعنه .

ويأتي مثله فيقول:  إنما الإسلام شعور لا شعر وكم من عالم خدم الدين وهو حليق  ،  فنقول : معك أن الإسلام شعور  ، ومن الشعور  الحسن الممدوح عقلا وشرعا إظهار السنة والاعتزاز بها والتشبه بأهل الفلاح ومن أفلح من رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم وكلهم ذوو لحى ، ثم إن فعل عالم إن خالف الشرع ليس حجة ، بل ذكر بعض العلماء أنك إن رأيت من عالم ما تنكر فسأله ، فإنه أن أجاب بقول استجمع علمه رأيه ، وربما خالف قوله فعله ،  لسبب من الأسباب كما ذكر الطنطاوي في أول حياته وسبب حلقه اللحية .

ومن المقرر أنه إذا جاء فعل وقول عن رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقدم القول لاعتبارات منها لعل الفعل خاص به ، دون سائر الأمة .

وأعجب  من ذا وذاك أن ترى كثيرا من المسلمين  في العشر الأول من ذي الحجة يترك لحيته تعبدا لأنه سيضحى فلا يأخذ من شعره ولا أظافره ،  وبمجرد أن ينحر أضحيته يحلقها  فسبحان الله  ، أي فهم للدين هذا  ؟ وأي توقف عند حدوده !؟  ، فمن منع أخذ الشعر في العشر الأول من ذي الحجة – على خلاف في المسألة – هو من منع أخذ شعر اللحية في غيره ويكاد الإجماع أن ينعقد  على وجوب إعفائها  .

ومثل هذا إسبال الثياب .. . ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ،هدنا الله لصالح القول والعمل 

 والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً