الجمعة السادسة والعشرين / الاول من رجب لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة ( 325) في تعداد الجمع ، والحادية و العشرين ( 21 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 26 / 5 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

وصل إليَّ مقطع عبر الواتس أب  يذكر فيه صاحبه – هدانا الله وإياه للحق –  ، حال بعض الناس في النكير على من أخذ بقول إمام من الأئمة يخالف ما تعارف عليه الناس في بلد وأنهم يصيمونه بالضال المضل .. إلخ  ، وأرجو أن أكون نقلت فحوى كلامه بما يدل عليه ولم أحرف فيه – ، وذكر في المقطع مسألتان كمثال على قوله :  مسألة ( الفخذ وهل هو عورة ؟ ، ومسألة الوضوء من لحوم الإبل ) .

وأقول  – وبالله التوفيق والسداد-   أنقل من قول شيخنا ابن عثيمين وشيخه السعدي عليهما رحمات الله تعالى ،  ومن كلام شيخنا الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه :

سُئلَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ رحمَهُ اللهُ السؤالَ الآتي:” بعضُ أهل ِالعلمِ يُقَسِّمُ الناسَ من حيثُ التلقي إلى ثلاثِ مراتبٍ : مرتبةُ الاجتهادِ وهم العلماءُ ، ومرتبةُ الاتباعِ وهم طلبةُ العلمِ ، ومرتبةُ التقليدِ وهم العوامُ . فما رأيُ فضيلَتِكُم في هذه القِسْمَةِ ؟

فأجابَ: نعمْ . الناسُ يختلفونَ ، فمنهمُ من يَصِلُ إلى درجةِ الاجتهادِ ، ومنهم دونَ ذلكَ ، ومنهم من يكونُ مجتهداً في مسألةٍ من المسائلِ ، يحقِقُهَا ويبحثُ فيها ، ويعرفُ الحقَ فيها دونَ غيرِه ، ومن الناسِ من لا يعرفُ شيئاً .

فالعامةُ مذهبُهُم مذهبُ علمائِهم ، ولهذا لو قالَ لنا قائلٌ : إنني أشربُ الدُّخانَ ؛ لأنْ في البلادِ الإسلاميةِ الأخرى من يقولُ : إنه جائزٌ ، وأنا لي حريةُ التقليدِ   .  

  قُلنا : لا يسوغُ لك هذا ؛ لأن فرضَكَ أنتَ هو التقليدُ ، وأحقُ من تقلدَ علماؤك ، ولو قلدتَ من كان خارجَ بلادِك أدى ذلك إلى الفوضى في أمرٍ ليسَ عليه دليلٌ شرعيٌ .

ولو قالَ : إنَّهُ سيحلقُ لحيَتَهُ ؛ لأنَّ من علماءِ الأمصارِ من قالَ : لا بأسَ بذلكَ ، نقولُ لهُ : لا يمكنُ ، أنتَ فرضُك التقليدُ ، لا تخالفْ علماءَك… ولو قالَ : أنا لا أتوضأُ من لحمِ الإبلِ ؛ لأنه يوجدُ من علماءِ الأمصارِ من يقولُ : لا يجبُ الوضوءُ منه ، لقُلْنَا : لا يمكنُ ، يجبُ عليكَ أن تتوضأَ لأنَّ هذا مذهبَ علمائك وأنتَ مقلدٌ لهم .

وقدْ ذكرَ هذا شيخُنا عبدُ الرحمنِ بنُ سعديِ رحمهُ اللهُ ، وقالَ : العامةُ لا يمكنْ أن يقلدوا علماءَ من خارجِ بلدِهِم ؛ لأنَّ هذا يُؤدي إلى الفوضى والنزاع  .

لكنَّ العاميَ إذا استفتَاك فأفتِهِ بما تراهُ الراجحَ ، وإذا كان الراجحُ يُخالفُ ما عليه الناسُ ؛ فأفتِه به سِراً ، ما دامتِ المسألةُ اجتهاديةٌ وليسَ فيها نصٌ ، وقلْ له : هذه فتوى بيني وبينِك . أما إذا كانَ الذي عليه الناسُ مخالفاً للنصِ ؛ فأفتِهِ عَلناً ولا تُبالِ ، لكن لا تذكرْ له الخلافَ ، فإنَّ العوامَ يقولونَ : إذا أردتَ أن تحيِّر فخيِّر ، ولهذا دائماً نقولُ للطلبةِ : لا تبينوا الخِلافَ للعامةِ فتذبذبُوهم ، ونقولُ : أيضاً لمن يَعْرِفُ القراءاتِ السبعِ : لا تقرأْ بها أمامَ العامةِ ؛ لأنَّك لو قرأتَ بقراءةٍ أخرى غيرَ التي في المصحفِ عندَهم ، شوشَ عليهم ذلك “. انتهى من ” لقاءِ البابِ المفتوحِ ” (32/ 20، بترقيم الشاملة آليا)

ويقولُ الشيخُ عبدُ الكريمِ الخضيرُ – حفظَهُ اللهُ – عضوُ هيئة كبارِ العلماء في مسألةِ الحجابِ:  ” إذا كانَ القولُ المعتمدُ في بلدٍ من البلدانِ حملَ الناسَ على القولِ الأحوطِ ، هذا إذا افترضنَا أنَّهم على حدٍ سواءٍ ( قال أبو حكيم :  يقصدُ حفظه اللهُ الأدلةَ ) ، مع أنَّ المسألةَ في الحجابِ ليستِ الأقوالُ مستويةً ، النصوصُ صريحةٌ في وجوبِ تغطيةِ الوجهِ والكفينِ  . فإذا فرضنَا أنَّ المسألةَ على حدٍ سواءٍ ، الأدلةُ متعادلةٌ ، واعتُمدَ قولٌ ، وأُفتي به في بلدٍ من البلدانِ ، لا شكَّ أنَّ هذا القولَ هو المعتمدُ ، وأنَّ الذي يثيرُ غيرَهُ ، لا سيما إنْ كان القولُ الآخرُ تترتبُ عليه آثارٌ عمليةٌ مؤثرةٌ سلبيةٌ ، فإنَّهُ لا حظَّ له من النظرِ ، بل يُنكرُ على من أفتى به”انتهى من”شرح الموطأ ” (35/ 8، بترقيم الشاملة آليا(   .

و مسألة عورة الفخذ فأنقل ما رقمه الأستاذ الدكتور وليد بن علي بن عبدالله الحسين الأستاذ بقسم أصول  الفقه بجامعة القصيم في كتابه بحوث أصولية في المبحث السابع في تطبيقات أصولية  ( التخصيص بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ) ،  ص ( 151 ) : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” الفخذ عورة ” ( رواه البخاري معلقا في كتاب الصلاة ) ، وهو حديث عام ثم إنه صلى الله عليه وسلم كشف فخذه * بحضرة أبي بكر رضي الله عنه و عمر رضي الله عنه كما في حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت  : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي ، كاشفا عن فخذيه ، فستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ، فتحدث ، ثم استأذن عمر رضي الله عنه ، فأذن له وهو كذلك ، فتحث ، ثم استأذن عثمان  رضي الله عنه فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ، فدخل فتحدث ، فلما خرج قالت عائشة  : دخل أبو بكر رضي الله عنه  فلم تهش له ولم تباله ، ثم دخل عمر رضي الله عنه فلم تهش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان رضي الله عنه ، فجلست وسويت ثيابك ! فقال : ” ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ”  ( رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة) .

وقد اختلف الفقهاء في دفع هذا التعارض ، وقد أرجع ابن رشد ( في بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) ،  سبب الاختلاف في هذه  المسألة إلى تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله  ، فذهب بعض الفقهاء ، إلى أن الفخذ عورة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وما نقل عنه من كشف فخذه فهو منسوخ .

وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن الفخذ ليس بعورة ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن غير الفرجين عورة غير مغلظة .

وذهب بعضهم إلى أن الفخذ عورة يكره إظهاره عند من يستحى منه فقط ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كشف لأبي بكر وعمر وستر لعثمان رضي الله عنهم ، وبهذا يكون فعله صلى الله عليه وسلم مخصصا للعموم .

وبعض الفقهاء أوَّل ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم بأن المكشوف كان من أوائل الفخذ من جهة الركبة .

يقول ابن تيمية بعد أن رجح القول بتحريم كشف الفخذ : ” وما نقل من كشف فخذه فهو إما أن يكون منسوخا ، لأن أحاديثنا ناقلة حاضرة ، أو يكون حصل بغير قصد ، أو أن يكون المكشوف من أوائل الفخذ من جهة الركبة وفوق ذلك بقليل”  ** .  

*ينظر المستصفى للغزالي قال : وهذا لا يرفع النهي لاحتمال  أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن داخلا فيه ، أو أنه كشف فخذه لعارض أو عذر فإنه حكاية حال  ، أو أنه أراد بالفخذ ما يقرب منه وليس داخلا في حده ، أو أن إباحته خاصة له ، أو أن فعله ناسخ لتحريم كشف الفخذ ، وإذا تعارضت الاحتمالات فلا يرتفع التحريم في حق غيره بالوهم .

المستصفى للغزالي ج 2 (ص 778 ) من سلسلة البحوث الجامعية المحكمة دراسة وتحقيق د/ حمزة بن زهير حافظ  ( دار الهدي النبوي مصر ودار الفضيلة الرياض .

**في الألوكة بقلم الدكتور عبدالله بن حمود الفريح :  اختلف أهل العلم هل الفخذين من العورة أم لا؟

القول الأول: أنهما عورة وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية . لأدلة …

القول الثاني أنهما ليسا بعورة .لأدلة …

قال الشوكاني عن حديث أنس – رضي الله عنه – (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غزا خيبر فصليا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فأجرى نبي الله صلّى الله عليه وسلّم في زقاق مكة، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم..” متفق عليه.

 وعائشة ( سبق ذكره ) رضي الله عنها: ” هما واردان في قضايا معيَّنة مخصوصة يتطرق إليها احتمال الخصوصية” وذكر الشوكاني أنهما حكاية فعل من النبي صلّى الله عليه وسلّم قد يحتمل الخصوصية بدليل تلك الأقوال في الأحاديث الصحيحة السابقة فهذا الفعل لا يقوى على معارضة تلك الأقوال وقال: فالواجب التمسك بتلك الأقوال الناصة على أن الفخذ عورة. وقال أيضاً: وقد تقرر في الأصول أن القول أرجح من الفعل  . انظر: ” نيل الأوطار”( 2/ 70 (.

قال ابن القيم: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث: ما ذكره غير واحد ٍ من أصحاب أحمد وغيرهم. أن العورة عورتان:

مخففة، ومغلظة. فالمغلظة: السوأتان، والمخففة: الفخذان ولا تنافي بين الأمر بغضِّ البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة ” [انظر: “تهذيب السنن”( 6/ 17 )].

يتحرر من هذا أن الأحوط والله أعلم: أنهما عورة.
رابط  الموضوع

اضغط هنا

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً