الجمعة الحادية والعشرين / الثامن والعشرين من جمادي اول 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية و السبعين ( 72 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الحادية والعشرين ( 21 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 5 / 28 ) بحسب التقويم

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

قال أبو حكيم  : كنت أنظر في مجموعة من الكتب فوجدت عجبا من أمر الله وقضائه في عباده في نهاية حياتهم .

وقبل النهاية فلنعد للبداية  : عن أبي عبد الرحمـن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد . فوالله الذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة ) متفق عليه .

 ( الأجل  )  أيها السادة أجل  ( إنه الأجل ) الباب المفتوح لمقدر وكل سيدخله ، فمنا المتقدم ومنا المتأخر  فسبحان من ضرب للناس أجلا وسبحان من له البقاء .

الناس في ميتاتهم يتفاوتون :

  فهذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم كان موته شديدا حتى قالت عائشة رضي الله عنها : (لا أَغْبِطُ أَحَدًا بَهَوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ) أخرجه الترمذي .

أبو سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه  مات في فراشه رضي الله عنه رغم ما شهده من المشاهد وقام به من البطولات وما سنه في الحرب من خطط عسكرية تدرس إلى اليوم رضي الله عنه ، ( وأظنها من رواية الواقدي قال : ( وأخبرني من غسله بحمص ، ونظر إلى ما تحت ثيابه ، قال : ما فيه مُصحّ ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم )  .

وهنا تتجلى حياته الحقيقية رضي الله عنه بتطبيق وصية أبي بكر رضي الله عنه ( احرص على الموت توهب لك الحياة ) . فالحياة الحقيقية الذكر الحسن في الدنيا والصحابة خير مثال . 

قال  الحصين بن الحمام :

تأخَّرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ

لنفسي حياةً مثلَ أنْ أتقدَّما

وما دمنا في ذكر خالد رضي الله عنه فهاكم هذا الحديث عنه وفيه ذكر ( نجد ) وذكر حكم فقهي ففي صحيح مسلم : من طريق ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له : سيف الله أخبره أنه دخل على خالته ميمونة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد ، فقدمته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرفع يده ، فقال خالد : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. فاجتررته فأكلته ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ينظر ولم ينه )   

 

أيها المحترمون : ألفت في الوفيات التآليف وحبرت فيها الكتب ،وسودت مئات الصفحات ، ونذكر منها كمثال :

 ابن خلكان في وفيات الأعيان وهو كتاب مطبوع في أربع أو خمس مجلدات ، كتاب لطيف الفائدة غزير العلم جمع فيه المؤلف بين اللغة والأدب والتاريخ والقصص والملح والطرائف والسير .

وكتاب الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي لمتوفى سنة ( 764 هـ ) وطبعته دار الكتب العملية في أربعة وعشرين ( 24 ) مجلدا . أورد فيه عجائب من ميتات بعض الناس  فمن قرأ الكتاب وجد فيه المتع العديدة فلا يفتك ، وأنت اللبيب وهو شبيه بكتاب وفيات ألأعيان ولكنه أجمع منه .

الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي من أزد شنوءة  ( والفرهود في لغتهم ولد الأسد وقيل هو : صغار الغنم   ( والفرهود كلمة نستعملها اليوم في صغار الغنم  ( أو ما يطلق عليه الهرفي )

أوجد علم العروض  ( تقطيع بيت الشعر على أوزان ) ولم يسبقه إليه أحد وكان من نبأ موته رحمه الله  كما كان عجيبًا في حياته، متفردًا بين بني جنسه، كانت وفاته كذلك ؛ فقد أراد أن يُقرِّب نوعًا جديدًا من الحساب تمضي به الجارية إلى البائع فلا يمكنه ظلمها، فدخل المسجد وهو يُعمِل فكره في ذلك ، ولكن أجله كان بالمرصاد، حيث صدمته سارية وهو غافل عنها بفكره، فانقلب على ظهره، فكانت سبب موته. وقيل: بل كان يقطِّع بحرًا من العروض، وكان ذلك بالبصرة سنة سبعين ومائة من الهجرة (170هـ) على المشهور، ودُفِن بها ، ووجدت في بعض الكتب أنه جالس على حرف النهر يقطع بيتا من الشعر فبصر به إنسان فقال هذا يسحر النهر فدفعه برجله فكان آخر العهد به .

ابن الفرضي رحمه الله ت ( 403 هـ ) عبدالله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبي  ذكر أكثر من ترجم له قصة موته  ومنها ما رواه ابن حزم رحمه الله قال  سمعت ابن الفرضي يقول : (  في حجي تعلقت بأستار الكعبة ، وسألت الله الشهادة ، ثم انحرفت وفكرت في هول القتل ، فندمت وهممت أن أرجع وأستقيل الله ذلك ، فاستحييت ) فمات مقتولا في الفتنة أيام دخول البرابرة قرطبة سنة ( 403 هـ ) وكان آخر كلامه وبه رمق ترديد حديث ( لا يُكْلَم أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يكلم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك )  الحديث متفق عليه .

أخي الكريم ردد معي قول المتنبي :

إذا لم يكن من الموت بد

فمن العار أن تموت جبانا

والموت حاصل لا بد فاجعل لنفسك  حياة تذكر بها ، وحبل وصل يأتيك منه الأجر في قبرك ولو فارقت وجه الأرض لبطنها .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اترك تعليقاً