الجمعة التاسعة والأربعين / الخامسة عشرة من ذي الحجة لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة وواحدة ( 301) في تعداد الجمع ، و الثامنة والأربعين (48) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 6/ 12 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

كنت قرأت مثلا نسبوه للعم سام يقول : لا تحكم على الكتاب من عنوانه  ، وبما أن العبد الفقير لم يطبق هذا المثل على بعض كتبه فقد وقع لي حكم على كتاب من عنوانه ، وإذا علمتم العنوان لعلكم تعذرون : ( رحلات اسحاق الأقدم ، أو اليهودي المتجول تاريخية أدبية علمية

خيالية في عادات أمم العالم ( معربة عن اللغة الفرنسية بتصرف ) ، ثم قالوا على طرة الكتاب : السلسلة الثانية : تحقيق أدب الرحلات (2 ) ، بقلم عبده الشامي  ، مركز التراث الثقافي المغربي بالدار البيضاء وطبعته دار ابن حزم بلبنان).
 فما رأيكم ؟!

أخذته مستبشرا به ، ثم أمضيت يوم أمس في قرأته  … فما أدري أوراء الأكمة ما وراءها من معاني المعلومات والإشارات التي لم يفهمها العبد الفقير …  أم هو حديث لا زمام له ولا خطام ، وتبدأ القصة من أرض فرنسا ( في أي زمن ؟! ) بشابين على الطريق يحتسيان نبيذا يريان شيخا طاعنا في السن يغذ السير مستعجلا ، فيستمهلاه ويطلبانه الجلوس والراحة ومشاركتهما شرابهما ، ومن هنا يبدأ الرجل

حديثه مع اعتذاره عن الجلوس لأنه محرم عليه الجلوس أو البقاء في مكان واحد لمدة ثلاثة أيام لنحسه ولعقوبته ! ، كما أن دخوله البلد يجر الويلات عليه ( وليس هذا بمطرد… ولا أعرف لماذا ؟ ) ، ويذكر أن سبب نحسه وطرده من رحمة الله والحكم عليه بتطواف البلاد ( فحتى حينه طاف العالم عشرين مرة …) أن المسيح ( عليه الصلاة والسلام ) طلب منه ماء يروي عطشه فلم يسقه ، فطلب الجلوس على مصطبة داره ليستريح ، فرفض طلبه وأبعده ، فحلت عليه النقمة …  وطرد من الرحمة فلا موت ولا راحة ، ولا قبول لتوبته ؟!!!

ولكن بما أن القدير سبحانه لطيف حيث أوجد الذهب تحت كومة التراب ، وحبات القمح – قوام العالم  – إنما تخرج من أكوام ( التبن )- في وجه العدو – فقد وجدت في هامش هذا الكتاب إشارة إلى الرحلة العياشية  ( أبو سالم  عبدالله بن محمد العياشي ) من المغرب الإسلامي ( من سجلماسة ) ، وقد قام برحلة للمشرق الإسلامي للحج ووصف في طريقه ما رآه في تونس وطرابلس ” ليبيا ” ومصر ، ومكة والمدينة التي بقي فيها سبعة أشهر ، والقدس ومدن فلسطين … وكانت الرحلة لعامين من ( 1661 – 1663 م ) ، وبالهجري بداية الرحلة من شهر بيع الثاني عام ( 1072 ) … فأنزلتها من النت في مجلدين من طبعة دار السويدي في الإمارات واطلعت عليها ،

ومما جاء فيها فصل عن ( القهوة مختارة الأسبوع الماضي وقال فيها وهو في مصر : ( … والمصريون يتكارمون فيما بينهم بشرب البن الذي يسمونه ( القهوة ) ، ونحن لا نعرفها وليست عندنا بطعام ولا دواء ولا شهوة … ) .

ثم حكى حال مِصْرَ  في وقته ولكم أن تقارنوها بواقعها الآن فهل يا ترى حصل فيها تغيير في أربعة قرون …؟  فقال في ص ( 221 ، من المجلد الأول : وقد ذكر المؤرخون أن مصر لابد أن تشتمل على طائفتين إحداهما في غاية العتو والاستكبار والأخرى في غاية الذل والاحتقار وقد صدقوا؛ قد كان بها فرعون وملؤه فلم ينته دون أن قال : ( أنا ربكم الأعلى ) . [النازعات / 24 ] ، وبنو إسرائيل إذ ذاك مستضعفون في الأرض ( يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم) [القصص/ 4]. ثم لم تزل كذلك؛ وإنها في زماننا بل قبله بأزمان لعلى مثل

ذلك الوصف، فبشواتها وصناجقها وولاتها وحكامها، بل وسائر جندها وعسكرها فيما يظهر لنا ليس فيهم إلا من أعماه حب الدنيا وأصمه و ختم على سمعه وقلبه ، فلا يرحمون ضعيفا ، ولا يوقرون كبيرا ، أينما بدت لهم صبابة من الدنيا وثبوا عليها ، إن كان صاحبها حيا تسببوا له بأدنى سبب حتى يأخذوا ماله ، إما مع رقبته ، أو بدونها إن كان في العمر فسحة ، وإن   كان ميتا ورثوه دون بنيه وبناته

، وأما رعيتها وفلاحتها فلا تسأل عما يلاقون من الجند وما هم فيه من الإهانة والاحتقار ، تضرب ظهورهم ، وتؤخذ أموالهم ، ولا مشتكى لهم إلا إلى الله، ومن تجاسر منهم واشتکی ضوعف عليه العذاب الأليم .

قلت : ولعله لأجل هذه الدقيقة يكثر فيهم الصالحون لأن نفوسهم ميتة ، قد تربوا على الذل والاحتقار  وزالت الرئاسة وحبها من قلوبهم ،

بل لم تسكنها قط ، فإذا وفق أحدهم  لعمل الطاعة والتفت أدنی التفات لإصلاح حاله ، لم يبق مانع بينه وبين ذلك ، لأن أكبر الموانع وأعظم الآفات حب الرئاسة .

 ومن جال في أرياف مصر واستخبر أهلها علم صحة ما ذكرنا ، ومن لم يجل فليطالع الأخبار في الكتب المؤلفة في ذلك ، كطبقات سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه وغيرها ؛ یری مصداق ذلك.

وأخبار مصر وظلم الولاة بها ، وغش الباعة ، وحيل المتسببين ، ومكر العاملين ، أعظم من أن تحصى ، ولا غرض في تتبع ذلك ، ومن أراده فليسأل من وردها يخبره ببعض البعض من ذلك.  وأيضا جل ذلك لم نشاهده ، وإنما يجري على ألسنة الناس من أهلها والمجاورین بها وبعض الواردين عليها ، وغالبها لا يخلو من كذب أو مغالاة ، فنزهنا أقلامنا أن نكتب ما لا نتحقق علمه ، ولا يغلب على الظن صدقه ، سيما إن خلا عن فائدة دينية أو دنيوية ، بأن كان مجرد ملاحة أو فكاهة.

وبالجملة فمصر أم البلاد شرقا وغربا ، لا تستغرب شيئا مما يحكى عنها من خير أو شر ، ومصداق ذلك ما حدثني بعض أصحابنا من التجار في سنة أربع وستين قال : لما دخلت مصر في حدود الخمسين سكنت في بعض الوكائل ، وكان من قدر الله أن اجتمعنا في محل واحد جماعة منا فلان وفلان تجار ، وفلان طالب علم ، وفلان يميل إلى طريق الفقر، وفلان وفلان من أهل المجون، ذکر کلا بأسمائهم ،

قال: فإذا أصبحنا تفرقنا كل واحد يغدو لحاجته ، فإذا جن الليل جمعنا المنزل فنتحدث بما رأينا ، فيقول التاجر: ما رأيت مثل هذا البلد في التجارة ، فأهلها كلهم تجار ، ويحكي من ذلك حكاية ما شهد. ويقول الفقيه مثل ذلك  ، والفقير مثل ذلك ، وذو المجون مثل ذلك ، وما ذاك إلا لكثرة أجناس الناس فيها ، فمن طلب جنسا وجد منه فوق ما يظن ، فيظن أن غالب أهل البلد كذلك. وبالجملة فأهلها لهم عقول راجحة، وذكاء زائد، فمن استعمله في الخير فاق فيه غيره، من استعمله في الشر فكذلك. ..

ثم نقل العياشي عن غيره  من أخبار الزحام فيها ، ما لو رأى اليوم ما في القاهرة لعرف أنه لم ير شيئا ثم قال : …  وأحسن كتاب جامع في ذلك مع الاختصار  كتاب : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة لجلال الدين السيوطي فإنه مفيد جدا ، ومن أجاد مطالعته لم يفته من أخبارها إلا المعاينة وأشياء قليلة من العوارض المشخصات …

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً