الجمعة الحادية والثلاثين / السابع من شعبان لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة و الثلاثين بعد الثلاثمائة ( 335) في تعداد الجمع ، والحادية والثلاثين ( 31 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 7 / 8 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

إن مما اشتهر من أقوال عند أهل التجارة قولهم : ( العقار ابن بار ) ، وقولهم : ( العقار يمرض ولكن لا يموت ) ومنذ سنوات  ونحن  نسمع ونقرأ أن العقار سوف ينزل ، ثم إذا ذهبت تبحث عن عقار أو أرض وجدت الأسعار ما تزال في سقفها أو تنزل نزولا لا يذكر ، وقل أن

تجد شيئا بيع بسعر منخفض ( عن السوق ) ،إلا أن يكون صاحبه في أزمة أراد من عقاره أن يحلها – وبارك الله للمسلمين وأرخص الله لهم الأسعار – ومن هنا قرأت هذا الحديث في ( جامع السنة )* وتعليقٍ نسبه راقمه إلى الإمام ابن حجر صاحب الفتح فعدت إليه فوجدت خيرا كثيرا أستخلص لكم منه ما يحيط بالعنق وهو كافٍ في القلادة – نفعني الله وإياكم بما نقول ونسمع .

جاء في المجلد الثاني في ص ( 905 ) هذا الحديث وهو من صحيح البخاري – عليه رحمة الله –  : عن عبد الله بن الزبير قال لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني ،  فقمت إلى جنبه ،  فقال : يا بني  إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ،  وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لدَيْنِي ،  أفترى يُبقي ديننا من مالنا شيئا؟ ، فقال : يا بني   بع مالنا فاقض ديني وأوصى بالثلث وثلثِهِ لبنيه –

يعني بني عبد الله بن الزبير –  يقول : ثلثُ الثلثِ ، قال : فإن فضل شيء من مالنا بعد قضاء الدين ، فثلثه لولدك – قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله ، قد وازى بعض بني الزبير ، خُبيب ، وعبَّاد ، وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات ،  – قال عبد الله بن الزبير :  فجعل يوصيني بِدَيْنِهِ ، ويقول : يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاي ، فوالله ما دريت ما أراد ،  حتى قلت : يا أبتِ من مولاك ؟ قال : الله ،  فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت :  يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه ، قال : فقتل الزبير – رضي الله عنه –  ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين ، منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ،  ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ودارا بمصر ، وإنما كان دينه الذي عليه :  أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير : لا ، ولكن هو سلف ، فإني أخشى عليه الضيعة ،  وما ولي إمارة قط ، ولا جباية خراج ، ولا شيئا،  إلا أن يكون في غزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – ،  قال عبد الله بن الزبير :  فحسَبْتُ ما عليه من الدَّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف**  ، قال :  فلقي حكيمُ بن حزام*** عبدَ الله بن الزبير فقال :  يا ابن أخي كم على أخي من الدين ؟  فكتمه ،  فقال :  مائة ألف ، فقال حكيم :  والله ما أرى أموالكم تسع هذه ،  فقال له عبدُالله  :أرأيتَكَ إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف ؟  قال : ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي ،وكان  الزبير اشترى  الغابة بسبعين ومائة ألف ،  فباعها عبد الله بألف ألف وست مائة ألف ****  ، ثم قام فقال :  من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة  ، فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على الزبير أربع مائة ألف ، فقال ( أي ابن جعفر) لعبد الله بن الزبير :  إن شئتم تركتها لكم ، قال عبد الله :  لا ،  قال :  فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم ،  فقال عبد الله : لا ،  قال :  فاقطعوا لي قطعة ،  فقال عبد الله بن الزبير  :  لك من هاهنا إلى هاهنا .

 قال : فباع عبدالله بن الزبير  منها ( أي من الغابة ) فقضى دينه ( أي دين الزبير )  وأوفاه ، وبقي منها أربعة أسهم ونصف فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان ،  والمنذر بن الزبير ، وابن زمعة ،  فقال له معاوية :  كم قُوِّمت  الغابة  ؟ قال :  كل سهم مائة ألف ، قال :  كم بقي منها ؟  قال :  أربعة أسهم ونصف ، قال المنذر بن الزبير :  قد أخذت سهما بمائة ألف ،  قال عمرو بن عثمان :  قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن زمعة :  قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية :  كم بقي ؟ فقال سهم ونصف ، قال :  قد أخذته بخمسين ومائة ألف ،  وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف ،  فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دَيـْنه ، قال بنو الزبير :  اقسم بيننا ميراثنا ،  قال :  لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين :  ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ،  فجعل كل سنة ينادي بالموسم ،  فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ،  ورفع الثلث ، فكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف .ا.هـ

قال أبو حكيم : وقد أجاب ابن حجر رحمه الله على إشكالات الحديث وذكر توجيهات العلماء وكيف الجمع بين الروايات ، مثل  قدومه على معاوية رضي الله عنه بالشام في خلافته ، وظاهر الحديث قبل اجتماع الناس عليه رضي الله عنه وعنهم  ، وأيضا أجاب عن مقدار كامل التركة  والخلاف فيها قياسا على نصيب الزوجات ( الثمن ) ، وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية هذا النص في معرض ذكره كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم    (ومنهم رضي الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد …  فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه ، ” تسعة وخمسون ألف ألف وثمان مائة ألف” ، وهذا كله في وجوه حِلٍّ نالها في حياته مما كان يصيبه من الفيء والمغانم ووجوه متاجر الحلال وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها والصِّلاة البارعة الكثيرة لأربابها،  في أوقات حاجاتها رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس مثواه وقد فعل فإنه قد شهد له سيد الأولين والآخرين ورسوله رب العالمين بالجنة ولله الحمد والمنة وذكر ابن الأثير في أُسْد الغابة أنه كان له ألف مملوك يؤدون اليه الخراج وأنه كان يتصدق بذلك كله …)

وهنا الشاهد لما أردنا ننقله  من قول ابن حجر : ( إلا أن الله تعالى بارك فيه ( قال ابن حكيم : أي في ماله ) ،  بأن ألقى في قلب من أراد شراء العقار الذي خلفه الرغبة في شرائه ،  حتى زاد على قيمته أضعافا مضاعفة ، ثم سرت تلك البركة إلى عبد الله بن جعفر  ، لما ظهر منه في هذه القصة  من مكارم الأخلاق  ، حتى ربح في نصيبه من الأرض ما أربحه معاوية . وفيه أن لا كراهة في الاستكثار من الزوجات والخدم .

وقال ابن الجوزي :  فيه رد على من كره جمع الأموال الكثيرة من جهلة المتزهدين ، وتعقب بأن هذا الكلام لا يناسب مقامه ( أي مقام ابن الجوزي ) ،  من حيث كونه لهِجا بالوعظ ، فإن من شأن الواعظ التحريض على الزهد في الدنيا والتقلل منها ، وكون مثل هذا لا يكره للزبير وأنظاره لا يَطَّرَد .

وفيه بركة العقار والأرض لما فيه من النفع العاجل والآجل بغير كثير  تعب ولا دخول في مكروه كاللغو الواقع في البيع والشراء ،

*( جامع السنة ، الصحيح من ” 37 ”  كتابا من كتب الحديث ، كتاب يحوي جميع ما في البخاري ومسلم  وما صح خارجهما دون تكرار ، مذيلا بشرح الغريب ، وتعليقات لكبار أئمة المسلمين ) . ” د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقحم ”  ، طبعته دار الحضارة في ثلاث مجلدات طبعته الأولى عام ( 1439 هـ ) .

**(  مليونان ومئتا ألف ).

 *** ابن عم الزبير رضي الله عنهم

****( مليون وستمائة ألف ). 

( ما بين القوسين في النص ) من كتابة أبي حكيم غفر الله له .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

لمشاركة المقالة على حسابكم الإجتماعي

Twitter
Facebook

اترك تعليقاً