الجمعة السابعة والعشرين / الثامن من رجب لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الحادية و الثلاثين بعد الثلاثمائة ( 331) في تعداد الجمع ، والسابعة و العشرين ( 27 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 8 / 7 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

سمعت وقرأت خلال شهر جمادى الآخرة من هذا العام ( 1440 هـ )  أن هناك مشروع (  مسلسل تلفزيوني ( الحلاج )  يجري إنتاجه – كما تتناقل مواقع الشبكة العنكبوتية في الإمارات – وبحسب ما تذكره المواقع : أن العرض الأول سيكون في ( 7 مايو  2019 ) ، أي في رمضان هذا العام   ويمثله  ممثلون من سوريا وبعض الدول العربية .

ومن هنا أقول مستعينا بالله داعيا بالتوفيق : في مختارة ( 171 ) ذكرت كتاب (الدكتور ( صالح بن عبدالله بن مسفر الحسّاب الغامدي )  وكتابه الجميل  ( عندما يكون العم سام ناسكا ) دراسة تحليلة نقدية لموقف مراكز البحوث

الأمريكية من الصوفية ) وهو في الأصل رسالة دكتوراه  ، الطبعة الأولى عام ( 1436 هـ ) ، من مركز الفكر المعاصر ، ومما جاء في الكتاب من ص ( 285 ) : المبحث الثالث : موقف مراكز البحوث الأمريكية من رموز التصوف ونقده : … فسيكون الحديث في هذا المبحث على هيئة أمثلة أضربها كشواهد لعناية واهتمام مراكز البحوث الأمريكية برموز التصوف ، المعاصرين منهم والأقدمين ، وذلك على النحو التالي :

أولا : مؤسسة راند :   تدرك مؤسسة (راند)  أهمية الشيخ ( الرمز ) في الوسط الصوفي فتقول على سبيل المثال في

تقرير ” العالم المسلم بعد ( 11/ 9 ) ( الحادي عشر من سبتمبر )  : وغالبا ما تكون القيادة الجذابة هي العنصر المحوري في الممارسات الصوفية ، وغالبا ما يؤسس مشايخ الطرق الصوفية موطئ قدم لهم ضمن القطاع السياسي ” .

وهذا توصيف دقيق من مؤسسة (راند) ، إذ من المعلوم المشتهر أن مشيخة الطرق الصوفية لا تعتمد على العلم الشرعي بقدر ما تعتمد على جاذبية ذلك الشيخ لمريديه عبر اعتقادهم الولاية فيه ، إلى حد أن تلك الولاية يرثها ابن ذلك

الشيخ عبر وراثة ” سر ”  الطريقة  من أبيه !! ، وإن لم يكن له أبناء فيرثها منه أحد تلاميذه ، ممن أخذ ” السر ” عن شيخه !! وهكذا فالجاذبية المزعومة المعززة بدعوى الولاية والكرامات ، هي حلقة الوصل بين الشيخ ومريديه في التصوف . ( قال في الهامش : أنبه هنا إلى أن الرمز عند المتصوفة اتسعت دائرته اليوم لتشمل ، بالإضافة إلى مشايخ الطرق ، كل من يتبنى الأفكار الصوفية في حراكه الدعوي ، وهذا من التطور الذي طرأ على التصوف في هذا الزمان …) ا. هـ.

ثم قال المؤلف : ولذلك سنلاحظ هنا أيضا عناية مراكز البحوث الأمريكية بتحديد أسماء مشايخ الصوفية المعاصرين  ، وذلك لأنهم يدركون أن التصوف يقوم على تقديس الشيوخ ( الأحياء منهم والأموات ) ، سمتها مؤسسة ( راند )

القيادة الجذابة ) ، ولذا فالشيخ (الرمز) هو العنصر الجوهري في التعامل مع التصوف ، بخلاف “السلفية ” التي تقوم على العلم الشرعي ( اتباع الكتاب والسنة ) ولا قداسة لأحد ، ولا اتباع لأحد إلا بمقدار قيامه وعنايته بالعلم الشرعي قولا وعملا .

 

ثانيا  : توظيف غلاة أهل البدع لمواجهة أهل السنة … وحدد التقرير أن أقرب الفئات تعاونا مع المستعمر هم أصحاب الطرق الصوفية …. ( ص 194 ) … ( ومما يجب أن يعلم أن الصوفية في تعاملهم مع الغرب ليسوا سواء فلا يصح بحال أن يشحن الجميع في خندق واحد ، ولا يصلح أن يعان أهل الكفر على أحد من أهل الإسلام …) ا. هـ .

قال أبو حكيم : هل هذا العمل ينحى هذا المنحى وهل هو خرزة في سلك يُنظم ويتتابع وضع الخرزات فيه ، من تعظيم هذه الشخصيات التي حكم عليها علماء الإسلام بالضلال ،   فالحلاج  ( الحسين بن منصور )   ذكره الإمام الذهبي في سيره وأطال في ذكر أحواله ومخاريقه ومعجزاته التي يدعيها وأحواله الشيطانية وتجرئه على الله سبحانه حتى ادعى الإلهية ،  في ست وعشرين صفحة في  المجلد الحادي عشر من ص ( 322 ) طبعة دار الفكر :   وقال عنه في آخر ترجمته ردا على ابن خفيف   :  فإن الحلاج عند قتله ما زال يوحد الله  ويصيح  : الله الله في دمي فأنا على الإسلام ، وتبرأ مما سوى الإسلام .

والزنديق فيوحد الله علانية ، ولكن الزندقة في سره ، والمنافقون فقد كانوا يوحدون ويصومون  ويصلون علانية ، والنفاق في قلوبهم ، والحلاج فما كان حمارا حتى يظهر الزندقة بإزاء ابن خفيف وأمثاله ، بل كان يبوح بذلك لمن استوثق من رباطه ، ويمكن أن يكون تزندق في وقت ، ومرق وادعى الإلهية ،  وعمل السحر والمخاريق والباطل مدة ، ثم لما نزل به البلاء ورأى الموت الأحمر ، أسلم ورجع إلى الحق ، والله أعلم بسره ، ولكن مقالته نبرأ إلى الله منها ، فإنها محض  الكفر ، نسأل الله العفو والعافية فإنه يعتقد حلول البارئ عز وجل في بعض الأشراف ، تعالى الله عن ذلك .

وكان مقتل الحلاج سنة تسع وثلاثمائة لست بقين من ذي القعدة .*  ( قال ابن كثير : في يوم الثلاثاء ) .

وقتل  تعزيرا بعد ضربه ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه وحرق وصلب رأسه مع يديه ورجليه أياما  في بغداد وطيف فيه في خرسان وتلك النواحي كما يذكر أهل التاريخ ..

ونقل ابن كثير رحمه الله في تاريخه عن ابن الجوزي قوله : كان الحلاج متلونا كثير التلون ، فتارة يلبس المسوح ، وتارة يلبس الدُّراعة ، وتارة يلبس القَباء ، وهو مع كل قوم على مذهبهم ، إن كانوا أهل سنة أو رافضة أو معتزلة ، أو غير ذلك … .( تاريخ ابن كثير  ص 210 ، مجلد 11 ، طبعة ابن رجب ) .

ونقل عن الخطيب البغدادي قوله : والصوفية مختلفون فيه ، فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم ، وأبى أن يعده فيهم ، وقَبِلَه من متقدميهم : أبو العباس بن عطاء البغدادي ، ومحمد بن خفيف الشيرازي ، وإبراهيم بن محمد بن النصر اباذي النيسابوري ، وصححوا له حاله ودونوا كلامه ، حتى قال ابن خفيف : الحسين بن منصور عالم رباني .

قال الخطيب : والذين نفوه من الصوفية ، نسبوه إلى الشعبذة في فعله ، وإلى الزندقة في عقده …

قال ابن كثير : لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره ، فأما الفقهاء فقد حُكي عن غير واحد من الأئمة إجماعهم على قتله ، وأنه كان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا ، وكذا قول أكثر الصوفية منهم ، ومنهم طائفة – كما تقدم – أجملوا القول فيه ، وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ، وقد كان في ابتداء أمره  فيه تعبد وتأله وسلوك ، ولكن لم يكن له علم يسلك به في عبادته ، فدخل عليه الداخل بسبب ذلك ، كما قال بعض السلف : من عبدالله بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه .

قال أبو حكيم : وسبحان من ألهم أهل السنة العدل والإنصاف فقد قال ابن كثير – رحمه الله –   : ومن مستجاد كلامه :

وقد سأله رجل أن يوصيه بشيء ينفعه ، فقال : عليك بنفسك إن لم تشغلها بالحق أشغلتك عن الحق .

وروى الخطيب بسنده إليه أنه قال : “علم الأولين والآخرين مرجعه إلى أربع  كلمات : حب الجليل وبغض القليل ، واتباع التنزيل ، وخوف التحويل ”  ، قلت ” أي ابن كثير ”  : وقد أصيب الحلاج في المقامين الأخيرين ، فلم يتبع التنزيل ولم يبق على الاستقامة ، بل تحول منها إلى الاعوجاج والبدعة ،  نسأل الله العافية .

*فائدة قال أبو حكيم  : معنى ”  لست بقين ” :  أي في اليوم الرابع والعشرين من الشهر ، فالعشر الأولى من الشهر يقولون  مثلا :”  لست مضين ” ،   والعشر الوسطى يقولون مثلا : ”  في الرابع عشر منه ” ،   والعشر الأخيرة يقول مثلا : ”  لست أو سبع أو ثمان بقين وهكذا … ” ،  والله أعلم .

 والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً