الجمعة الرابعة والعشرون / السادس عشر من جمادي الثاني 1434هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة ( 24 ) من عام 1434 وتوافق 1434/ 6 /16 قال أبو حكيم أحكم الله أمره ( هذا المقال منقول من مجلة ( المنار ) العدد ( 29) السنة الثالثة فبراير عام 2000 ) تحت عنوان تأملات فكرية لمحمد داود

عنوانه : لماذا يصطرع القط توم والفأر جيري ؟

قال فيه : » هي الوسيلة الأكثر أمنا وهدوءا والأرخص ثمنا لتوفير تسلية منزلية للأطفال مهما كانت أعمارهم وميولهم ومستويات أسرهم الاجتماعية والاقتصادية إنها أفلام الكرتون المتحركة بشخصياتها المثيرة لمشاعر الفرح والحماس وأجوائها التي تصور عالما خال من المشاكل والصراعات ومبررات التنازع المعقد

 يكفي أن تضع أطفالك أمام شاشة الصندوق السحري وتدير لهم فلما كرتونيا لتتخلص من ضوضاء أصواتهم وجلبة حركتهم وتنعم بدورك بالهدوء والراحة

ورغم شعبية أفلام القط توم والفأر جيري – ونظرائهما من الشخصيات الكرتونية العالمية – لدى الأطفال وأسرهم أيضا إلا أننا قليلا ما نتسآل عن :

السر الكامن وراء الصراع الدائم بين القط توم والفأر جيري كما أننا نادرا ما نحدق في الوسائل المستخدمة في الصراع أو الأسباب الكامنة وراء انتصار أحدهما على الآخر

وأكثر من ذلك

ربما لم نتسآل أبدا عن الرسالة القيمية التي تحملها هذه الوسائل المسلية والتي تتغلغل في تلافيف أدمغة أطفالنا بتدفق كثيف وهادي جدا

لأنه وكما يعتقد الكثيرون ومنهم ( روبرت شايون ) المحرر في مجلة ( سترداي ريفيو ) الأمريكية : ( فإن برامج التسلية تلمح للجمهور بالطريقة التي يتبعها المرء في تحديد ما هو جدير بالاحترام في مجتمعنا والكيفية التي يتصرف بها إنها في الواقع أشكال من تعليم وتلقين المبادئ ) هذا نظريا

 أما عمليا : فإن منتجات ( والت ديزني ) وخلفائه تؤثر في العقل والانطباعات الذهنية التي تعمل به والدليل على ذلك أن الشركات المنتجة للشخصيات الكرتونية تمنع ظهور شخصياتها الكرتونية على أي منتج ينطوي على دلالة غير سارة بالنسبة للأطفال مثل الأدوية

لم تكن أفلام الكرتون جزاء من مؤامرة إمبريالية أو مشروعا استعماريا يستهدف عقول الأطفال ولكن [ ديزني ] حين صمم شخصيته الأولى [ مكي ماوس ] في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين فإنه كان في الحقيقة يقفز إلى سماء الخيال منطلقا من قواعد نشأته كفتى ريفي أمريكي ترعرع في مزرعة في ولاية ميسوري

وهكذا توالت الأحداث فعالم الخيال الذي تصوره هذه الأفلام يعكس في جوهره تصورات وأحلام وقيم تنطلق من بنية حضارية قائمة لدى صناع هذه الأفلام

ومع توالي النجاحات أصبحت عالما من الأعمال والأموال وباتت جزءً لا يتجزأ من منظومة المصالح المرتبطة

« وبحسب تحليل لكتب [ديزني ] الهزلية المصورة وهي تروج لشخصيات أفلام الكرتون وتطبع طبعات رخيصة من أجل ترويجها على أوسع نطاق فإن أريل دورفمان وأرماندوا ساتيلار – باحثان من تشيلي وجدا :

العنصرية والعجرفة والجشع تتخلل هذه الكتب

ويقول الباحثان : إن ( 75 % ):من قصص كتب ( والت ديزني ) تدور حول البحث عن كنوز ضائعة أو ذهب قابع في مكان مجهول وفي البقية تتصارع الشخصيات حول المال والشهرة والنساء الجميلات ونصف القصص تقع خارج الكوكب الأرضي بينما تدور أحداث النصف الثاني في أرض أجنبية يعيش فوقها شعوب بدائية عموما وهي شعوب ملونة وليست من البيض وتدور القصص غالبا حول رجال ضخام مفتولي العضلات أو أقزام والجميع يتصرف كالأطفال

ولا تحتاج شخصيات قصص الكرتون للعمل المنتج لتعيش وإنما غالبا ما تعتمد الصراع للحصول على حاجاتها الضرورية والكمالية وهي في النهاية تصور نموذجا للمستهلك الغربي

في الصراع يمكن أن نلحظ غياب القيم والدوافع فالصراع بين توم وجيري ليس له سبب مقنع والنصر للأكثر دهاء وقدرة على ابتكار وسائل الإيذاء وليس لصاحب الحق . هكذا تتم تربية الطفل المشاهد على البحث عن أنواع مختلفة للإشباع المادي باعتباره بديلا عن عن كل الاحتياجات الإنسانية الأخرى وعلى تعزيزالمصلحة الشخصية والكسب بأي طريقة والنجاح الفردي بمعزل عن حاجات المجتمع وضوابطه الإجتماعية والقانونية

 

وصف مخترع الرسوم المتحركة ( ديزني ) بأنه ( أعظم معلم في القرن )

ووصفه الرئيس إزنهاور (1963 ) أثناء منح ( ديزني ) جائزة تقديرية لجهوده : ( سفير الحرية للولايات المتحدة الأمريكية وهذه الجائزة من أجل جهده المتفاني الذي لا يعرف الكلل ومن أجل طليعيته الخلاقه والمتمكنة من أجل توصيل آمال وطموحات شعبنا الحر إلى أركان كوكبنا البعيدة )

ما سبق ليس ذما لوسيلة ترفيهية بقدر ما هو دعوة لرؤية المألوف بنظرة أخرى غير ما ألفناه والبحث عن أسباب هذه الأعمال التي تصرف فيها الملايين خارج دوران عجلة الحياة اليومية التي تنزع الأحداث عن جذورها وأهدافها ومآلاتها الحضارية والقيمية فيصبح الفرد مجرد مستهلك يحي يومه بانتظار غد يحصل فيه على ماديات أكثر مما يحصل عليه اليوم

 انتهى بتصرف يسير والله أجل وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد  .

اترك تعليقاً