الجمعة الرابعة عشر / الرابع من ربيع ثاني لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والسابعة والستين ( 267 ) في تعداد الجمع ، والرابعة عشرة ( 14 ) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 4 / 4 / 1439 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله  : من عجيب أمر التاريخ حصول اتفاقات قل من يفطن إليها ومن ذلك ما كتبته في المختارة رقم ( 157 ) من كلام لابن خلكان ولابن كثير ومما أورده اليوم ما ذكره صاحب كتاب (جمع الجواهر في الملح والنوادر)  

وقد وجدته نسخة إلكترونية بصيغة الوورد وقال في المقدمة :  قصة الكتاب:  من نوادر كتب الحصري صاحب (زهر الآداب). طبع لأول مرة في مصر بعنوان (ذيل زهر الآداب) وقد علل ناشروه هذه التسمية، بأن مؤلف (زهر الآداب) لم يذكر فيه ملحاً ونوادر، ولذلك جعل هذا الكتاب ذيلاً له، فجمع فيه هذه الملح. وهو في الأصل كتاب مستقل جمع فيه الحصري نوادر الملح، وطرائف الفكاهات، ومنازه المضحكات، وفصولاً من مختار الشعر وجيد النثر، متجنباً المجون، وما تستهجنه العادات الحسنة، والأخلاق الطيبة. وطبع بتحقيق علي محمد البجاوي سنة (  1954م )على إثر نشره لزهر الآداب، معتمداً مخطوطتين من محفوظات دار الكتب المصرية، نسخت إحداهما سنة( 1274هـ) ، والثانية بلا تاريخ. وقد لحق النسختين كثير من التحريف والتصحيف. وانظر كتاب (الحصريان) تأليف د. محمد بن سعد الشويعر (النادي الأدبي: الرياض 1399هـ)

قال أبو حكيم  (زهر الآداب وثمر الآداب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني المتوفى سنة ( 453 هـ ) وفي خزانتي طبعة المكتبة العصرية في أربعة مجلدات بتقديم وفهرسة  د/ صلاح الدين الهواري )  .

 وفيه أي جمع الجوهر  : في توافق عجيب في ( السادس ) في موضوع :   سبب طلب ابن المعتز للخلافة

وكان سبب طلب ابن المعتز للخلافة: أن (المقتدر وهو جعفر بن المعتضد) وأمه أمة سوداء واسمها (شعب) لما استخلف أرجف الناس فيه وتكلموا في أمره. وقالوا: كيف يلي الخلافة من لم يبلغ الحلم ? وكانت سنه يومئذ ثلاث عشرة سنة وشهراً وعشرين يوماً، وقالوا: لا بد من خلعه لأنه ” سادس ” .

قال الصولي: وقد جرى في ” السادس ” أمر طريف من الاتفاق؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى أورث الأرض سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين بعده أربعة. واستخلف بعد علي رضي الله عنه ، الحسن ابنه وهو ”  السادس ” فخلع.( قال أبو حكيم : بل تنازل رضي الله عنه بالخلافة لمعاوية رضي الله عنه حقنا لدماء المسلمين ) .  وسلم الأمر إلى معاوية ، ثم إلى يزيد بن معاوية ، ثم إلى معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن عبد الحكم ، ثم عبد الملك بن مروان ، ثم بويع ابن الزبير في أيامه أو بعدها ، وهو ” السادس ” فخلع، ثم انقضت دولة بني أمية ولم يكمل بعد الوليد ستة، وإنما ولي يزيد بن الوليد الناقص ، وإبراهيم بن الوليد بن مروان ، ومروان بن محمد،  وهو آخر ملوك بني أمية.

 ثم استفتح ملك بني العباس بأبي العباس السفاح ، وأبي جعفر المنصور، ومحمد بن المنصور المهدي ، وموسى الهادي بن المهدي،  وهارون الرشيد بن المهدي ، والأمين بن الرشيد بن المهدي ، وهو ” السادس ” فخلع، ثم ولي المأمون بن الرشيد، والمعتصم أخوه ، والواثق بن المعتصم ، والمتوكل بن المعتصم ، والمنتصر بن المتوكل ، والمستعين أحمد بن المعتصم ، فخلع وهو ” السادس ” .

 

قلت أنا” أي الحصري ” : وولي القاهر محمد بن المعتضد،  والراضي أبو العباس بن المقتدر ، والمتقي أبو إسحاق بن المقتدر ، والمستكفي ، والمطيع الفضل بن جعفر المقتدر ، والطائع أبو بكر عبد الكريم بن المطيع ،  وهو ” السادس ” فخلع.

وولي بعده أبو العباس القادر وهو الخليفة في هذا الزمان، وكان الإرجاف في أول ولاية – المقتدر – شديداً من الخاصة والعامة، فلما قتل العباس وزيره ، أخذ محمد بن داود بن الجراح البيعة على الناس – لعبد الله بن المعتز -، ووجه إلى القضاة والعدول، فاجتمع من القواد وغيره زهاء خمسة آلاف سوى الأتباع، فأظهر لهم محمد بن داود –  عبد الله بن المعتز – ، وكتب كتاباً خلع فيه – المقتدر- ، واحتج بأن إمامته لا تجوز لقصوره من بلوغ الحلم وصغره عن الخلافة، واستحقاق – عبد الله – إياها لكماله وحنكته ومعرفته في أمور المسلمين وعلمه بشرائع الدين، فشهد العدول على ما في الكتاب ومن حضر من أشراف بغداد، وبايعوا-  ابن المعتز ولقبوه المنتصف، ويقال الراضي، ويقال القائم بالحق – ، وتقلد ابن الجراح الوزارة.

 وتكلم –  عبد الله بن المعتز – وذكر المقتدر وأنه لا صلاة للناس معه ولا حج ولا غزو. وقال: قد آن للحق أن يتضح، وللباطل أن يفتضح، وقام وكيع فقرظه وذكر محاسنه وذكر شعر أبي العتاهية في هارون الرشيد وهو:

أتته الخلافة مـنـقـادةً  إليه تـجـرّر أذيالـهـا   ….  فلم تك تصـلـح إلاّ لـه  ولم يك يصلح إلاّ لـهـا

ولو رامها أحـدٌ غـيره  لزلزلت الأرض زلزالها 

ولم يبق في دار-  المقتدر – حينئذ إلا نفر يسير، وهر بعضهم إلى ابن المعتز، فسعى ( مؤنس الخازن وسوسن)  في نقض هذا العقد في اليوم الثاني، وجددا للناس بيعة – المقتدر- ، وأخرجا الأموال فزادا في الأعطية، فانجفل الناس إليهما، ولم يبق مع ابن المعتز أحد؛ فهرب إلى دار ابن الجصاص، وهذا خبر طويل ليس هذا موضع استقصائه. ثم خلع المقتدر بعد ذلك وقتل في الحرب، ولم يقتل في الإسلام خليفة بين الصفين غيره.

ولما ظهر ابن المعتز ميتاً رثاه الناس؛ فقال ابن بسام:

 للّه درّك من ميت بـمـضـيعة   ….   ناهيك في العلم والآداب والحسب 

ما فيه لوٌّ ولا ليت فتـنـقـصـه   ….    وإنما أدركـتـه حـرفة الأدب

وطولب “ابن الجصاص”  بالتجائه إليه، وأراد المقتدر قتله. فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنه ابن عمك، وقد لجأ إلى داري، وأنا غائب عنها، فكتمت أمره لعل رأيك يحسن فيه، ولست بمضاد في خلافة ولا قادح في مملكة، وقتلي لا ينفعك؛ وفي حياتي لك فائدة. قال: وما فائدة حياتك ? قال: أدفع إليك كل يوم ألف دينار؛ فترك ووفى في ذلك مدة.

قال أبو حكيم :  ومن عجيب ما ذكره الحصري قبل ، قال : وكان المعتضد إذا رأى ابن الجصاص يقول: هذا الأحمق المرزوق ! وكان أوسع الناس دنيا، له من المال ما لا ينتهى إلى عده، ولا يوقف على حده. وبلغ من جده أنه قال: تمنيت أن أخسر، فقيل لي: اشتر التمر من الكوفة وبعه بالبصرة، ففعلت ذلك؛ فاتفق أن نخل البصرة لم يحمل في ذلك العام؛ فربحت ربحاً واسعاً.

وذكر عنه حكايات أخر تدل على حمق وقلة عقل ، بينما تجد حذقا وذكاء في قصته الأخيرة وفي إخفاء ابن المعتز  فالله أعلم بحاله .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً