الجمعة الرابعة والاربعين / الثالث عشر من ذو القعدة لعام 1436هـ

بسم الله الرحمن الرحيم من مختارات أبي حكيم في الجمعة السادسة والأربعين بعد المائة (146 ) في تعداد الجمع ، وهي الرابعة والأربعين ( 44 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 1436/11 /13 هـ ) بحسب الرؤية والتقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سبحان من ألهم ابن الجوزي – رحمه الله –  هذه العلوم  والفوائد ، وقد  قيدها باسم ( صيد الخاطر)  فأي بحر خضم يصيد منه ، إذا كان هذا بعض صيد خاطره  والكتاب أشهر من أن يعرف ،  فقد قال في فصل ( من لطائف القرآن ) :

(تفكرت في السر الذي أوجب حذف  آية الرجم من  القرآن لفظا . مع ثبوت حكمها  إجماعا  ، فوجدت لذلك معنيين ، أحدهما : لطف الله تعالى بعباده في أنه لا يواجههم بأعظم المشاق . بل بذكر الجلد  ، وستر الرجم ، ومن هذا المعنى قال بعض العلماء  : إن  الله تعالى قال في المكروهات ( كُتب عليكم الصيام ) ، البقرة 183 ،  على لفظ ما لم يُسمَّ فاعله ، وإن كان قد علم أنه هو الكاتب  ، (قال أبو حكيم :  كان الأقدمون يعبرون عما نقول عنه  مبني للمجهول ب ( ما لم يُسمَّ فاعله ) أدبا – رحمهم الله تعالى – وتجد اليوم من ينادي للعودة  لهذا الأسلوب ) ،  فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال : ( كَتب ربكم على نفسه الرحمة  ) الأنعام  54 .

والوجه الثاني : أنه يبين بذلك فضل الأمة في بذلها النفوس قنوعا ببعض الأدلة فإن الاتفاق لما وقع على ذلك الحكم كان دليلا .  إلا أنه ليس كالدليل المقطوع بنصه . ومن هذا الجنس شروع الخليل عليه الصلاة والسلام  ، في ذبح ولده بمنام  ، وإن كان الوحي في اليقظة آكد  ).

وفي فصل ( تعليل النفس على الطاعة ) ، تجد علاج نفسك مع أمر الطاعة وتصبيرها عليها  ، فقال – رحمه الله -:

( مر بي حمّالان تحت جذع ثقيل ، وهما يتجاوبان بإنشاد النغم ، وكلمات الاستراحة ، فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ، ثم يعيده أو يجيبه بمثله  ، والآخر  همته مثل ذلك  ، فرأيت أنهما لو لم يفعلا  هذا  زادت المشقة عليهما  ، وثقل الأمر ، وكلما فعلا هذا هان الأمر ، فتأملت السبب في ذلك ، فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر ، وطربه به ، وإحالة فكره في الجواب بمثل ذلك ، فينقطع الطريق ، وينسى ثقل المحمول ، فأخذت من هذا إشارة عجيبة ، ورأيت الإنسان قد حمل من التكليف أمورا صعبة ، ومن أثقل ما حمل  مداراة نفسه ،

وتكليفها الصبر عما تحب ، وعلى ما تكره ، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس ، كما قال الشاعر :

فإن تشكت فعللها المجرة من    …      ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى .

ومن هذا ما يحكى عن بشر الحافي رحمة الله عليه : سار ومعه رجل في الطريق فعطش  صاحبه ، فقال له : نشرب من هذه البئر  ؟ فقال بشر : اصبر إلى البئر إلى الأخرى ، فلما وصلا إليها قال  له : البئر الأخرى ، فما زال يعلله … ثم التفت إليه فقال له : هكذا تنقطع الدنيا .

ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها ووعدها الصبر الجميل لتصبر على ما قد حملت كما كان بعض السلف يقول لنفسه : (والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك ) .

وقال أبو يزيد رحمة الله عليه: ( ما زلت أسوق نفسي إلى الله  تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك )  .

واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم ، وبذلك ينقطع الطريق ، فهذا رمز إلى الإشارة وشرح ذلك يطول .

والكتاب فيه من الفوائد والنكات ما يجعل السياحة فيه متعة ، وقراءته تزيدك – بإذن الله قربة .

  والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً