السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مختارة من أوائل مختارات الجمعة وتحديد في رقم ( 5 ) وتوافق الأول من صفر عام ( 1434 هـ ) كتبت عن كتاب ( الإمتاع والمؤانسة ) لأبي حيان التوحيدي ، ثم جاءني رد من أخي وصديقي الدكتور ( عبدالله العبادي ) نزيل جدة – حرسها الله تعالى – حين نقل عني ما كتبت عنه ، وكأن بعض الأخوة الكرام استنكر النقل عن مثله ، لما كان يرمى به من الإلحاد ، وفي هذه الجمعة – بإذن الله تعالى – سأنقل كلاما عنه من كتابه الممتع ( البصائر والذخائر ) وهو مطبوع في مجلد واحد وفي خزانتي الطبعة الأولى من لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة ، بلا سنة طبع ، وعلق عليه الأستاذان : ( أحمد أمين والسيد أحد صقر ) وأحببت أن أقف وإياكم هذه الوقفة عن ( أبي حيان ) نقلا من كلام شيخنا (محمد المنجد ) – حفظه الله – في موقعه ( الإسلام سؤال وجواب ) بالسؤال رقم : “170262 ” نبذة عن ” أبي حيان التوحيدي ” وكتابه ” البصائر والذخائر “المنشور بتاريخ (2011-7-7 ) ، سؤال :
هل من نبذة عن شخصية ” أبي حيان التوحيدي ” وهل هو من الملحدين ؟ وما رأيكم بكتابه ” الذخائر والبصائر ” ؟
الجواب : الحمد لله ، شخصية أبي حيَّان التوحيدي – توفي عام 414 هـ – شخصية جدليَّة ، وقد تضاربت الأقوال في اعتقاده ومنهجه – بل وحتى في لقبه ” التوحيدي ” هل هو نسبة لنوع تمر أو هو للتوحيد الذي عند المعتزلة وحقيقته : نفي صفات الله تعالى – فمن قائل فيه إنه زنديق ضال ملحد ، ومن قائل إنه كان صحيح العقيدة وليس عنده ما يوجب الوقيعة فيه .
ومن أبرز القادحين فيه : ابن الجوزي والذهبي رحمهما الله .
قال الإمام الذهبي – رحمه الله – : ” أبو حيان التوحيدي ، الضال الملحد ، أبو حيَّان ، علي بن محمد بن العباس البغدادي الصوفي ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية ، ويقال : كان من أعيان الشافعية .
قال ابن بابي في كتاب ” الخريدة والفريدة ” : كان أبو حيان هذا كذَّاباً ، قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان ، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل ، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد فطلبه ليقتله ، فهرب والتجأ إلى أعدائه ، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه ، ثم عثروا منه على قبيح دخيلته وسوء عقيدته وما يبطنه من الإلحاد ويرومه في الإسلام من الفساد ، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح ، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح ، فطلبه الوزير المهلبي ، فاستتر منه ، ومات في الاستتار ، وأراح الله ، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية “.
وقال أبو الفرج بن الجوزي : ” زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي ، وأبو حيان التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الاسلام : أبو حيان ؛ لأنهما صرَّحا ، وهو مجمج ولم يصرح ” .
قلت : وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني في كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ ، فانظر إلى المادح والممدوح ، وأجود الثلاثة الرماني – مع اعتزاله وتشيعه – .
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء وزهاد الفلاسفة ، وكتاب سمَّاه ” البصائر والذخائر ” ، وكتاب ” الصديق والصداقة ” مجلد ، وكتاب ” المقابسات ” ، وكتاب ” مثالب الوزيرين ” – يعني : ابن العميد وابن عباد – ، وغير ذلك .
وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد ، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحدين ، وكما يُسمِّي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية .
أنبأني أحمد بن أبي الخير عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي عن ابن طاهر : سمعت أبا الفتح عبد الوهاب الشيرازي بالري يقول : سمعت أبا حيان التوحيدي يقول : أناس مضوا تحت التوهم ، وظنوا أن الحق معهم ، وكان الحق وراءهم .
قلت : أنت حامل لوائهم .
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثروه عنه جعفر الحكاك : سمعت أبا سعد الماليني يقول : قرأت الرسالة – يعني المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي الله عنهم – على أبي حيان ، فقال : هذه الرسالة عملتُها ردّاً على الرافضة ، وسببه : أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء وكانوا يُغلون في حال ” علي ” ، فعملتُ هذه الرسالة .
قلت : قد باء بالاختلاف على ” علي ” الصفوة ، وقد رأيتُها ، وسائرها كذِب بيِّنٌ ” انتهى من ” سير أعلام النبلاء ” ( 17 / 119 – 123 ) باختصار .
ومن أبرز الذابين عنه والمادحين له : تاج الدين السبكي ووالده تقي الدين ، وابن النجار رحمهم الله .
قال تاج الدين السبكي – رحمه الله – : ” قال ابن النجار : له المصنفات الحسنة كـ ” البصائر ” وغيرها .
قال : وكان فقيراً صابراً متديِّناً ، قال : وكان صحيح العقيدة .
قلت – أي : السبكي – : الحامل للذهبي على الوقيعة في التوحيدي – مع ما يبطنه من بغض الصوفية ! – هذان الكلامان – أي : كلام ابن بابي وابن الجوزي – ولم يثبت عندي إلى الآن مِن حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه ، ووقفتُ على كثير من كلامه فلم أجد فيه إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس مزدرياً بأهل عصره ، لا يوجب هذا القدر أن ينال منه هذا النيل ، وسئل الشيخ الإمام الوالد رحمه الله عنه فأجاب بقريب مما أقول ” انتهى من ” طبقات الشافعية الكبرى ” ( 5 / 287 ، 288 ) باختصار .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يثبت لأبي حيان اشتغاله بالفلسفة ولا يجزم له بالزندقة.
قال – رحمه الله – : ” فإنَّ أبا حيان تغلب عليه الخطابة والفصاحة ، وهو مركب من فنون أدبية وفلسفية وكلامية وغير ذلك ، وإن كان قد شهد عليه بالزندقة غير واحد وقرنوه بابن الراوندي ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره ” انتهى من ” العقيدة الأصفهانية ” ( ص 172 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – : ” والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة بسبب كلام ابن سينا في ” الشفا ” وغيره ، ” ورسائل إخوان الصفا ” وكلام أبي حيان التوحيدي ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 6 / 54(
ونحن نتوقف في الحكم عليه حتى نقف على ترجمة لباحث يتفرغ لقراءة كتبه ويحكم على جمله وعباراته بالعدل ، ولعلنا نحظى برسالة جامعية متخصصة من باحث من أهل السنَّة قريباً ، وبعدها لعلنا نرجِّح قولاً على آخر .
وأما كتابه ” البصائر والذخائر ” فهو يحتوي على قطع أدبية مسموعة ومنقولة ، وقد أثنى عليه ابن النجار – كما سبق ذِكر كلامه – ، وفيه أشياء فائقة البلاغة ، حسنة المعنى جدا . ووقفنا فيه على نقدٍ شديد لأهل الكلام في دينهم وسلوكهم وتعبدهم ، وقد حققه جماعة من المختصين وطُبع عدة طبعات ، وقد استوفت الكلام عليه – تقريباً – الدكتورة ( وداد القاضي) وذلك في دراسة خاصة بالكتاب جعلتها في آخره .
والله أعلم .
وأنقل لكم من كلام التوحيدي قوله في ص ( 224 ) سمعت شيخا من النحويين يقول : النصبُ في الكلام يكون من اثني عشر وجهاً ، ثم عدّها ، ثم قال : هذه الوجوه هي : المفعول به ، والمصدر ، والظرف ، والحال ، والتعجب ، والنداء ، والتبيين ، والتفسير ، والتمييز مع التبيين واحد ، وإنّ وأخواتها ، والوصف والاستثناء ، والنفي ، وخبر لَاتَ وماعملهما واحد .
تقول : ضربتُ زيداً الظريفَ اليومَ ضرباً شديداً قائماً .
فزيداً مفعول به ، والظريفَ وصف له ، واليومَ ظرف ، وضرباً مصدر ، وشديداً وصف ضرب ، وقائماً حال ، وإنما يتولد الحال من المعرفة .
وسمي المصدر مصدرا لأنه صدر من لفظ الفعل .
ويسمى الظرف ظرفا لأنه كالوعاء ، ألا ترى أنك إذا قلت : سرتُ اليوم ، فالسيرُ في اليوم .
والتعجب ما أحسن زيدا ، فزيد منصوب بفعل التعجب ، لأنه وقع في التقدير موقع المفعول به .
والنداء قولك : يا عبدَالله ، ويا رجلاً .
والتبيين قولك : عشرون درهما ، لأنك لما قلت : عشرون : أبهمت ، ثم بينتَ بالدرهم . والدرهم لا يقدم على العدد .
وأما إنَّ فقولك : إن زيداً قائم .
والاستثناء قولك : أتاني القومُ إلا زيداً .
والنفي ، لا ثوابَ لك ، ولا بأسَ عليكَ .
وخبر لاتَ كقولك : لاتَ حين مناص . فالاسم مضمرٌ في لاتَ . لأنها أجريت مجرى ليس .
وقد يجوز الرفع في حين ، والجر ، أما الرفع فعلى اسم لاتَ ، والجر على تشبيه لاتَ بعن .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد