الجمعة الخامسة والاربعين / السادس عشر من ذي القعدة لعام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة والتسعين بعد المائة (197) في تعداد الجمع ، والخامسة والأربعين ( 45 ) في عام ( 1437هـ ) وتوافق (1437 / 11 / 16 ) بحسب التقويم

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من منشورات مكتبة جرير من الكتب المترجمة كتاب بعنوان ( قراءة العقول ، كيف نفهم ما يفكر فيه الآخرون ويؤمنون ويشعرون ويرغبون به )  نيكولاس إيبي . الطبعة الأولى عام ( 2015 م) وسأقتطف منه بعض الإشارات المهمة لنا في حياتنا وأحاول أن أكتبها بطريقتي ولعلها تكون واضحة وينفع الله بها  ، ومن أراد التوسع فيه فعليه بالأصل فهو كتاب جميل  وموضوعه في علم النفس بلغة ليست عسيرة .

في الفصل الثاني من الكتاب  ( مغالطة التخطيط )  ، ومعناه :  (الخطأ في تقدير الوقت اللازم لإتمام المهام )  ( إذا أردت القيام بمهمة ما في حياتك ( مشروع ما ) فهناك ( أفضل وقت لتنجزه فيه إذا سارت الأمور على ما يرام ، وأسوأ وقت للإنجاز إذا عاكستك الأمور ( هذا إذا أنجزته أصلا ) فكم مرة فكرت في إنجاز واجب ما ، فأخرته كثيرا بل ربما لم تقم به أصلا ، ( حتى ولو كان أمرا بسيطا مثل تغيير مصباح إضاءة محترق في صالة المنزل ) ، ( سئل طلاب جامعة لأكثر من مرة في  المدة التي يحتاجونها لكتابة بحث التخرج ؟  فكان الأمر يتراوح بين ( 27 يوما في أفضل الأحوال و 43 يوما في أرض الواقع و49 يوما في أسوأ الأحوال )  ، فكان عدد متوسط الأيام الفعلية التي تطلبها الأمر ليقوم هؤلاء الطلاب بإتمام رسائلهم (55 يوما )   وما يثير الاهتمام في ( مغالطة التخطيط ) على الرغم من وقوعنا فيها عدة مرات فإننا دائما نعتقد أن أخطائنا شيء من الماضي وليست من الحاضر ، ما يضمن ارتكابنا للخطأ نفسه مرارا وتكرارا .( فنجدنا نؤخر ونؤجل ونسوف في أعمالنا ، وإن أديناها ففي اللحظة الأخيرة …) 

في موضع آخر:( لماذا معظم الصور التي يتم التقاطها لك تبدو سيئة ؟) (قال أبوحكيم : معظم الصور التي تعرض في الدعايات أو على المنتجات يتم التعديل عليها في برامج الصور) ، قال المؤلف : إن  صورتك التي تحتفظ بها في عقلك ما هي إلا امتداد – على الأقل جزئياً – للترابطات التي قمت بتشكيلها عن نفسك ، بخلاف الصور التي تظهر أمامك في المرآة  أو شكلك الذي يظهر في الصورة . ( الترابطات) أو شبكة الترابطات بين كل خليتين متجاورتين ( خلاياك العصبية ليست مرتبطة بشكل عشوائي ، ولكنها ترتبط بأسلوب يعكس عدد المرات التي عادة ما يتم فيها تفعيل اثنتين

من الخلايا العصبية مع بعضها البعض ، فكلما انطلقت إحدى هذه الخلايا في الوقت نفسه التي تنطلق فيه الخلية الأخرى ، زادت قوة الارتباط فيما بينهما في الشبكة الترابطية ، وبمجرد ارتباطهما بهذه الطريقة  ، سيقوم تفعيل إحدى الخلايا بتفعيل الخلية المجاورة ، وهذا يفسر أنه في حالة وجود أمرين يحدثان في الغالب معا في عالمك فإن التفكير في أحدهما سيجعلك تفكر في الآخر ، ( مثل : كلمة القمر  يعرفها كل أحد ولكن الارتباط الآخر معها يختلف من شخص لشخص ( فمن هو الشخص الذي ترتبط صورته بالقمر في خلاياك العصبية ؟؟!! … ) وشبكة الارتباطات  لا تعمل على توجيه سلوكنا تجاه الآخرين دون إدراكنا الواعي فقط ، ولكنها تعمل على توجيه الطريقة التي نفكر بها من خلال أنفسنا  ، يعيش معظم الناس في العالم حياتهم على أساليب تمكنهم من خلق ترابطات إيجابية مع أنفسهم فعلى سبيل المثال ( قم بإظهار كلمة me  go – -)) ” أنا ” لبعض الأشخاص  وسيقوم معظمهم على الأرجح باستكمال تسلسل الحروف كالتالي ( good ) ” جيد ”  بدل من ” goat  ” “ماعز ” مثلا ، لأن كلمة ” جيد ” ترتبط دائما مع وصف النفس وليس كلمة ” ماعز ”  ، ومع ذلك هذه الترابطات الإيجابية يمكنها أن تجعل من الصعب عليك معرفة نفسك بدقة ( قال أبو حكيم : ولذلك تجد كثيرا ممن بلوا بحلق اللحية وإرخاء الشوارب أو الإسبال أو جعل القصات الغريبة في شعره أو شعر لحيته وشاربه -إن أرخاها- من الشباب في المرحلة الثانوية والجامعية وربما فوقها رغم ما هو فيه من تبلد ومخالفة للفطرة وللسنة ولعادات مجتمعهم إلا أنه ينظر لنفسه بإيجابية وأن وضعه جيد ، بل ربما اعتقد أن التجمُّل فيما يصنع ،وتجده يقاوم كثيرا من التوجيهات … ) .

وفي الفصل السابع من الكتاب : المشكلة أن الحياة ترى عادة من خلال عدسة ضيقة يركز فيها الكادر على الشخص وليس على السياق الأوسع ، الذي أثر في تصرفات ذلك الشخص  ، – وما دامت ألعاب ( ريو2016 ) الأولمبية في البرازيل قائمة الآن –  فلو نظرت إلى عداء أولمبي ،  أو أخذنا السباح السنغافوري ( جوزيف سكولينج )  كمثال ففي عام ( 2008 ) حينما كان طفلا أخذ صورة مع ( مثله الأعلى) في السباحة ( مايكل فيلبس الأمريكي ) والذي تقول الأخبار أن هذا الأمريكي لو حصل على ثلاث ذهبيات أُخر لعادل ما أخذه جميع لاعبي العرب ميداليات ذهبية في الأولمبياد خلال قرن ( هذا ما غرد به أيمن جاده  وأهل الرياضة يعرفونه )  ،  ونعود للسباح السنغافوري  ، فتقول الأخبار أنه فاز بمسابقة ( 100 متر فراشة ) وبزمن قياسي أولمبي ، على الأسطورة الأمريكية  ، وأخذ منه الميدالية الذهبية ، وبحسب عرف الرياضة والرياضيين يعتبر إنجازا عظيما  ، وما يهمنا في مقالنا ، أننا نظرنا إلى نهاية السباق( ولم ننظر إلى السياق الأوسع )  ، فإننا مثلا لم ننظر إلى عدد الساعات التي قضاها في التدريب والتي بلا مبالغة قد تصل للآلاف ، ولم نر الوقت والمال الذي قدمه والداه والرعاة الداعمون ، ولا قدر الله تعالى الذي جعله يعيش في بلد آمن ينعم بالسلام مما جعله يكرس حياته للرياضة ، بدلا من الانشغال للبقاء على قيد الحياة ، ( وذكر بعض من كتب عنه أنه ترك وسائل التواصل الاجتماعي في شهره الأخير وركز على تدريباته ) فالوصفة الناجحة للفوز بالميدالية الذهبية تتضمن مكونات عديدة لا تتجلى للأنظار حينما نشاهد السباق النهائي  ، وحينما يكون المنظور الأوسع غير واضح فمن الصعب لوم المعلقين الرياضيين ، الذين يفسرون الحصول على الميدالية الذهبية ، بأنه نتاج الإرادة والرغبة ( لقد كانت رغبته في الفوز اليوم كبيرة ) دون التفكير في السياق الأوسع  الذي يمكن من النجاح الأوسع  ، ( فلو قلبنا الصورة  وجعلناها في مصيبة تحدث وليس بنجاح ،  فهل يمكن لأحد عاقل أن يقول إن رجلا يسير على الشارع المتجمد فسقط منزلقا أنه أراد السقوط ، فهنا السياق واضح   ولكن قوى السياق التي تسهم في نجاحنا وتعثرنا تكون عادة أقل وضوحا من الجليد على الرصيف  )  وطبق هذا على كل أمر يحدث أمامك ( فلا تحكم على المنتج النهائي ) وتجعل حكمك قاطعا ، وإنما انظر في السياق الذي أدى إلى هذا الحدث .  

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد  

اترك تعليقاً