الجمعة الثامنة والاربعين / الحادية عشر من ذي الحجة لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخمسين بعد المائة (150) في تعداد الجمع ، وهي الثامنة واﻷربعين (48) في عام (1436) وتوافق (1436 /12 /11 ) بحسب الرؤية ، وفي التقويم اليوم الثاني عشر .

عيدكم مبارك  وكل عام وأنتم إلى الله أقرب … 
  بما أننا في آواخر العام ومن الجميل مراجعة النفس على قواعد محددة فهذه فقرات أرجو أن تنفع كاتبها وقارئها :

الفقرة اﻷولى : أيها اﻷماجد : حياتنا عبارة عن مواقف ، والموقف هو : (تلك المساحة من حياتنا التي يكون لنا سيطرة كاملة وتامة عليها ) ، واﻷحداث الخارجية يمكن أن تغير مانفعله في حياتنا ، ويمكن أن تحدد المكان الذي نعيش فيه ، ويمكن ويمكن … ، ولكن ﻻ سيطرة لنا على اﻷحداث ، فهي ليست تحت قدرتنا ، فهي من تدبير العزيز الحكيم ، ولكن الموقف الذي نتخذه (ردة الفعل)يختلف عن ذلك ، فالقدرة على اتخاذ الموقف اﻹيجابي من الحياة أو اﻻستسﻻم للموقف السلبي هو من اختيارنا وحدنا ،وﻻ يستطيع أيا كان أن يفرض علينا موقفا ﻻ نريده ، ولو تظاهرنا بقبوله -من باب المجاملة أو المجاراة أو من باب العمل الجمعي – ففي اﻷخير هو اختيارنا ، وتحت قدرتنا وسيطرتنا ونتائج هذا الموقف سنتحملها نحن ، مهما كانت مبرراتنا لسبب اتخاذنا هذا الموقف ، وبغض النظر عن الظرف الذي نمر به ، فكل منا يمتلك القدرة على اﻻختيار : كيف ستكون ردة فعلنا على أي حدث ، ففي الحديث ( ﻻ تغضب ) وكررها ، مع إغفال مسبب الغضب ( مهما كان ) فالمهم نتيجته : وهي بيدك ( لا تغضب) والمقصود : الغضب السلبي حيث تكون نتائجه سلبية علينا حالا ومآلا ، أما الغضب في ذات الله فهو موقف إيجابي ،  وتأملوا معي الموقف اﻹيجابي الذي يوجهنا له القرآن الكريم : (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[سورة البقرة 156] والنتيجة الحتمية لردة الفعل المتزنة على أي مصيبة حكاها  القرآن الكريم بعدها بآية بقوله تعالى : (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة البقرة 157] . اللهم اجعلنا منهم يا كريم .

ومن ردود اﻷفعال التي يجب أن توزن وتضبط : ( النقد ) فاﻹنسان وقدرته العجيبة على مﻻحظة سلبيات اﻵخرين والغفلة عن سلبياته – ﻻعتقادنا الكمال في أنفسنا – وفي اﻷثر المرفوع ووقفه أصح قال يزيد بن الأصم : سمعت أبا هريرة يقول :” يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه ” قال أبو عبيد : الجذل الخشبة العالية الكبيرة  .
وعلى أهمية أن يكشف اﻷخ ﻷخيه سلبياته إﻻ أن المهم  كيف يوصل هذا اﻻكتشاف ؟  ومن المهم وضع قول عمر رضي الله عنه موضعه  : ( رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا )  فنحن لسنا كعمر -رضي الله عنه – ومن يخبرنا معايبنا ليس كجلساء عمر – رضي الله عنهم – وﻻ شك أننا نقول بقول عمر – رضي الله عنه – ونتبناه  ، ولكن ارجع إلى نفسك  وانظر موقفك  ممن يخبرك بعيوبك وماذا تجد في نفسك تجاهه ، خصوصا من  ﻻ يرعي  مثل قول الشافعي :
تعمدني بنصحك بانفراد   …   وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع    …   من التوبيخ ﻻ أرضى استماعه
إذن  ابدأ بنفسك وأوصل رسالتك مغلفة بأحلى ما يكون حتى تستساغ ، وإن أمكن التعريض فﻻ  تصرح ،ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما بال أقوام … ) فالمقصود الفعل وليس الشخص .

الفقرة الثانية :مما يعانية إخوتنا في الرياض الزحام الشديد على الطرقات ، مما يأخذ من وقتهم الشيء الكثير ،وهذا  مثال ( وهي مشكلة عالمية ) ، ويمكن أن ينطبق على حالات كثيرة كوقت السفر أو اﻻنتظار في مشفى أو انتظار اﻷهل في سوق … الخ ، فالسؤال هنا : ماذا يمكنني أن أفعل ﻷخفف الزحام ؟ في حقيقة اﻷمر الخيار بيدك ، فمن أجل المحافظة على صحتك وأعصابك غير موقفك أنت من الحدث ،   وتأمل معي بعين البصيرة قوله تعالى : ( (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[سورة الرعد 11]
سيطر على نفسك ، ففي الوقت الذي ﻻ تستطيع أن تغير فيه الزحام ، ففي مقدورك وتحت يدك أن تغير موقفك تجاهه، وتخيل معي فقط لو استغليت هذا الوقت في رفع رصيد إيمانك وجعلت نفسك من أهل هذه الصفات ( مسلم ، مؤمن ، قانت ومن معانيها : اﻹمساك عن الكﻻم  ، صابر  ، متصدق  بابتسامة وبسﻻم على من يمينك ويسارك ،ثم في آخر اﻵية  والذاكرين الله كثيرا والذاكرات :  (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[سورة اﻷحزاب 35]  إنه لموقف إيجابي رائع ، فيمكنك -بتوفيق الله -أن تترقى في مراتب اﻹيمان فتعلو من كونك مسلما إلى اﻹيمان ثم تكون من المحسنين ، وتنال المغفرة واﻷجر العظيم ، ثم إن الوعد باﻷجر العظيم جاء من العظيم ، والله يعطي على قدره سبحانه -ربنا ﻻ تحرمنا- و في هذا الباب من أمثال لغة اﻷعاجم ما معناه  ( ترتكز اﻷبواب الكبيرة على مفصﻻت صغيرة) ،  يقول ( د. آرثر كالياندرو ، وباري لينسون ) في كتابهما ( خطوات بسيطة ، تسعة أشياء يمكن أن تفعلها لتعيش حياة رائعة ) :
(إنني أجد في هذه العبارة حكمة رائعة فنحن في معظم اﻷوقات ﻻ نرى المفصﻻت التي يتحرك بها الباب وﻻ نعيرها باﻻ ، فهي صغيرة مختفية ، إﻻ أنه بدون هذه المفصﻻت لن يعمل الباب على اﻹطﻻق ، ومواقفنا التي نتبناها نحو الحياة هي أيضا مفصﻻت صغيرة تعتمد عليها أبواب حياتنا . والموقف الخاطئ يؤدي إلى إتﻻف تلك المفصﻻت مما يؤدي في النهاية إلى انهيار الباب بأكمله -انتهى-) ،وببساطة تبني الموقف السلبي ﻷي حدث لن يجعل اﻷمور أفضل ، بل يتفق عقلاء العالم أنه يحوّلها لﻷسواء ، فمثﻻ عدم الصبر على المصيبة لن يبعدها  وستُحرم أجرها وعلى هذا فقس  ، فتوقف عن تبرير مواقفك السلبية ، فهذا التبرير لن يكون على قدر كبير من اﻷهمية ، ولكنه يعمل على إشباع حاجتك إلى اﻻستمرار في حالة اليأس وتبني مواقفك السلبية لمزيد من الوقت  .

الفقرة الثالثة : تأمل معي قوله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ 32 وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ 33 وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ 34 إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ 35 نَذِيرًا لِلْبَشَرِ 36  (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ  37 )[سورة المدثر]
يجب أن ﻻ تتوقف عند عقبة مرت عليك في طريق حياتك ،  ﻷن الخيارات هنا محددة ولا أقول محدودة ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّم )  فالخيار بيدك لتتقدم وترتقي ، فإن لم تفعل فالنتيجة ليس البقاء في مكانك، بل حكم إلهي ( أَوْ يَتَأَخَّر )  فانظر أين تضع نفسك مع المتقدمين أو ستكون متأخرا .
نعم نحتاج إلى التوقف برهة من الزمن لنفكر في خيارات الترقي المتاحة ونضع الخطط ، ولكن النجاح – بتوفيق الله وعونه – يحتاج منا إلى قدراتنا الدافعة ، فنمضى ونتعلم ،فمن فعل – فبتوفيق الله – يرى نتائج اصراره ، ثم اجعل همتك عالية ، وارفع من سقف طموحاتك وأهدافك ، وابذل الجهد المستطاع لتحقيقها ،والباقي على الله ففي القرآن عدة آيات علقت اﻷمر باﻻستطاعة – واستطاعة كل شخص بحسبه – منها : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[سورة التغابن 16]
وانظروا إلى همة أحد التابعين – ونحن بحمدالله تابعيهم –  فهو يرى أن استطاعته عالية حيث قال أبو مسلم الخولاني -رحمه الله – : ( أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ، كلا والله ! لنزاحمنهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالاً !! ) . صلى الله وسلم على نبينا محمد  ورضي الله عن أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين .
ما سبق استوحيت فكرته من كتاب ( ( د. آرثر كالياندرو ، وباري لينسون ) ( خطوات بسيطة ، تسعة أشياء يمكن أن تفعلها لتعيش حياة رائعة ) ) مترجم ، طبعته : مكتبة جرير ، الطبعة اﻷولى 2003 م بحجم ورق  متوسط  ويقع في (243 ) صفحة .  وسبق الحديث عنه في مختارة سابقة

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اترك تعليقاً