الجمعة الثانية والعشرين / السابع من جمادي الثاني لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الرابعة والعشرين بعد المائة (124) في تعداد الجمع ، والجمعة الثانية و العشرين ( 22 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 7 / 6/ 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

سؤال : ما حال  العبد بعد توبته من الذنب ؟

هذا السؤال أجاب فيه العلماء بثلاث إيجابات ، نأخذ منها الوسط وخير الأمور الوسط .

وقبل أن نبدأ دعوني أعرفكم على ضيفنا اليوم  ( موسوعة الأعمال الكاملة لابن القيم – جامع الآدب – جمعه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه ( يسري السيد محمد الكولي  ) ،  طبعة دار الوفاء (مصر )  ، ودار الأندلس الخضراء  (جدة) في أربعة مجلدات الطبعة الأولى عام ( 1423 – 2002 م  ) ، رتب أبواب وفصول وفوائد هذه المجلدات الأربع  في ستة عشر كتابا ) ، هذا الجامع سُبق  (ببدائع التفسير ) ، و (جامع الفقه )  ، وسيتبعه (البدائع في علوم القرآن)  ( ذكر ذلك في المقدمة ) .

ومما جاء فيه ( ص 107 ) ما يفيد للجواب عن سؤالنا  :

قال ابن القيم -رحمه الله – : وحكم شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله – بين الطائفتين حكما مقبولا ، فقال :

التحقيق أن من التائبين من يعود إلى أرفع من درجته ، ومنهم من يعود إلى مثل درجته ، ومنهم من لا يصل إلى درجته .

قلت  ( ابن القيم ) : وهذا بحسب قوة التوبة وكمالها ، وما أحدثته المعصية للعبد من الذل والخضوع والإنابة ، والحذر والخوف من الله ، والبكاء من خشية الله ، فقد تقوى هذه الأمور حتى يعود العبد إلى أقوى من درجته ، ويصير بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة ، فهذا قد تكون الخطيئة في حقه رحمة ، فإنها نفت عنه داء العجب ،

ابي حكيم7

وخلصته من ثقته بنفسه وإدلاله  بأعماله ، ووضعت خد ضراعته وذله وانكساره على عتبة باب سيده ومولاه  ، وعرفته قدره ، وأشهدته فقره وضرورته إلى حفظ سيده ومولاه له ، وإلى عفوه عنه ومغفرته له ، ، وأخرجت من قلبه صولة الطاعة ، وكسرت أنفه أن يشمخ أو يتكبر  بها ، أو يرى نفسه بها خيرا من غيره ، وأوقفته بين يدي ربه موقف الخاطئين المذنبين ، ، ناكس الرأس بين يدي ربه ، مستحييا منه خائفا وجلا  ، محتقرا لطاعته ، مستعظما لمعصيته ، قد عرف نفسه بالنقص والذم ، وربه متفرد بالكمال والحمد والوفاء .

فأي نعمة وصلت من الله إليه استكثرها على نفسه ، ورأى نفسه دونها ، ولم يرها أهلا لها .

وأي نقمة أو بلية وصلت إليه رأى نفسه أهلا لما هو أكبر منها ورأى مولاه قد أحسن إليه ، إذ لم يعاقبه على قدر جرمه ولا شطره ، ولا أدنى جزء منه .

فإن ما يستحقه من العقوبة لا تحمله الجبال الراسيات ، فضلا عن هذا العبد الضعيف العاجز ،  فإن الذنب وإن صغر – فإن مقابلة العظيم الذي لا شيء أعظم منه ، الكبير الذي لا شيء أكبر منه ، الجليل الذي لا أجل منه ولا أجمل ، المنعم بجميع أصناف النعم  دقيقها وجليلها –من أقبح الأمور وأفظعها وأشنعها ، فإن مقابلة العظماء والأجلاء وسادات الناس بمثل ذلك يستقبحه كل أحد مؤمن وكافر ، وأرذل الناس وأسقطهم مروءة من قابلهم بالرذائل  ، فكيف بعظيم السموات والأرض ، وملك السموات والأرض ، وإله السموات والأرض ؟ ولولا أن رحمته غلبت غضبه ، ومغفرته سبقت عقوبته ، لتدكدكت الأرض بمن قابله بما لا يليق مقابلته به ، ولولا حلمه ومغفرته لزلزلت السموات والأرض من معاصي العباد  ، قال الله تعالى ( إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ) فاطر ،  فتأمل ختم هذه الآية باسمين من أسمائه وهما ” الحليم و الغفور ” كيف نجد تحت ذلك أنه لولا  حلمه عن الجناة ومغفرته للعصاة لما استقرت السموات والأرض ؟ .

وقد أخبر – سبحانه – عن بعض كفر عباده فقال : ( تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا )مريم ، وقد أخرج الله الأبوين من الجنة بذنب واحد ارتكباه ، وخالفا فيه نهيه ، ولعن إبليس وطرده وأخرجه من ملكوت السموات والأرض بذنب واحد ارتكبه ، وخالف فيه أمره ونحن معشر الحمقى كما قيل :

نصل الذنوب إلى الذنوب ونرتجي    …   درج الجنان لدى النعيم الخالد

ولقد علمنا أُخرج الأبوين من   …    ملكوته الأعلى بذنب واحد .

والمقصود : أن العبد قد يكون بعد التوبة خيرا من قبل الخطيئة وأرفع درجة ، وقد تضعف الخطيئة همته ، وتوهن عزمه ، وتمرض قلبه ، فلا يقوى دواء التوبة على إعادته إلى صحته الأولى ، فلا يعود إلى درجته ، وقد يزول المرض بحيث تعود الصحة كما كانت  ، ويعود إلى مثل عمله ، فيعود إلى درجته .

هذا إذا كان نزوله إلى معصية ، فإذا كان نزوله إلى أمر يقدح في أصل إيمانه ، مثل الشكوك والريب والنفاق ، فذاك نزول لا يرجى لصاحبه صعود إلا بتجديد إسلامه من رأسه .

( الداء والدواء ) .  

  والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً