الجمعة الرابعة عشر / العاشر من ربيع ثاني لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السادسة عشرة بعد المائة (116) في تعداد الجمع ، والجمعة الرابعة عشرة ( 14 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 10 / 4 / 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

( همة عالية )  :

لما أكمل من عمره (10 ) سنوات كان قد أتقن حفظ القرآن ، والأدب ، وأصول الدين ، وحساب الهندسة ، والحبر والمقابلة ، ولما بلغ ( 16 ) سنة كان قد أحكم الفقه والمنطق ، وعرف الطب واستطاع معالجة الناس والتعرف على الأمراض والأدوية .

وببلوغه ( 18 ) كان قد فرغ من تحصيل كل العلوم المتاحة في عصره .

قال عن نفسه 🙁 في مدة اشتغالي لم أنم ليلة واحدة بكاملها ، ولا أشتغل  في النهار بسوى المطالعة ، وكانت إذا أشكلت علي مسألة توضت وقصدت المسجد الجامع ، وصليت ودعوت  الله عز وجل أن يسهلها لي ويفتح علي مغاليقها ) !! .

وقال : ( أعدت قراءة كتاب – ما بعد الطبيعة لأرسطو – أربعين مرة حتى صار لي محفوظا ، وأنا مع ذلك لا أفهمه ) !!

تولى الوزارة في ( همذان ) للأمير شمس الدولة بن بويه  في عام ( 405 هـ )  وبقي فيها سبع سنوات ، وهذا يومه :

قال السمرقندي : نظام الوزير …. في يومه ( يستيقظ قبل الفجر ليكتب بضع صحائف في ( الشفاء ) ، وعند الفجر كان يستقبل تلاميذه للمدارسة حتى تنتشر تباشير الصباح  فيصلي بهم إماما ، وعند خروجه إلى الديوان كان يلقاه ألف فارس ، ومن بينهم وجوه الدولة وأصحاب الحاجات ، فيركب الوزير فرسه وحوله الحاشية حتى يصل لمقر عمله فيمكث فيه إلى الظهر ، ثم يعود لتناول الغداء الذي كان يشاركه فيه خلق كثير ، ثم يقيل بعد ذلك طلبا للراحة ، ثم يستيقظ فيؤدي صلاة العصر ، وبعد ذلك يلزم الأمير للمنادمة والمحادثة حتى يصلى المغرب .

يقول الجوزجاني : وكان يجتمع كل ليلة في داره طلبة العلم وكنت أقرأ من ( الشفاء ) نوبة ، وكان غيري من ( القانون ) نوبة .

ومع ذلك :

إذا ضعف إيمان العبد بالله تسلطت عليه العادات القبيحة ، والخصال الدنيئة ، والأخلاق الوضيعة ، ومن طالع شيئا من مصنفاته قرأ كيف يتلاعب بأصول الشريعة ، وأركان الملة ، ويسفه الأنبياء – عليهم صلاة الله وسلامه – ويسخر من الصحابة ، ، تبين له انحدار أخلاق الرجل ، وقلة دينه .

قال عن أبيه  : ( كان أبي ممن آخى المصريين ويُعد من الإسماعيلية .  ( قال أبو حكيم : يقصد دعاة الدولة العبيدية- المسماة زورا بالفاطمية –  في مصر وشمال أفريقية والشام  – وهم روافض إسماعيلية عبيدية  )  .

في إغاثة اللهفان وفتاوى ابن تيمية وفي درء تعارض العقل والنقل : ( كان بيت ابن سينا  من أتباع هؤلاء القرامطة ، من المستجيبين للحاكم الذي كان بمصر ، قال ابن سينا  : وبسبب ذلك  دخلت في الفلسفة ) .

إنه : الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي  البخاري ( 370 – 428 هـ ) يلقب ب (الشيخ  ) ، و ( الرئيس ) و فيلسوف الإسلام ) كما كان يلقب به الفارابي ،   وكنية ابن سينا  ( أبو علي ) .

العمدة  عند أكثر من ترجم لابن سينا كلام ( ابن خلكان ) في وفيات الأعيان في ترجمته ،  وأنه في آخر عمره لما مرض وكان يصف الدواء لنفسه  ، ركب غلمانه دواء لموته لخيانتهم له في أمر وخشوا من إبلاله فيعاقبهم ) قال ابن خلكان :

( إن ابن سينا اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء وأعتق مماليكه ، ورد المظالم على من عرف ، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة …) .

والمتتبع لأخبار ابن خلكان -رحمه الله – يتبين عدم صحة كثير من أخباره ومروياته فهو يخلط ويخبط أحيانا ، ولا يتحرى الحق والعدل .

قال ابن كثير – رحمه الله –في ترجمة ابن الراوندي ( 298 هـ ) الزنديق : ( وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات ، وقلس عليه ، ولم يخرجه بشيء ، ولا كأن الكلب أكل له عجينا ، على عادته في العلماء والشعراء ، فالشعراء يطيل تراجمهم ، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة ، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم )  .

قال ابن تيمية رحمه الله : ( وكذلك ابن سينا وغيره : يذكر من التنقص بالصحابة ما ورثه من أبيه وشيعته القرامطة ، حتى تجدهم إذا ذكروا في آخر الفلسفة حاجة النوع الإنساني إلى الإمامة ، عرّضوا بقول الرافضة الضلال ، لكن أولئك يصرحون بالسب بأكثر مما يصرح به هؤلاء)  .

يقول ابن القيم -رحمه الله – الذي لخص عقيدة ابن سينا في إغاثة اللهفان : ( … فالرجل معطل ( قال أبو حكيم أي معطل لصفات الله تعالى ) ، مشرك جاحد للنبوات والمعاد ، لا مبدأ عنده ولا معاد ، ولا رسول ولا كتاب ) .

قال أبو حكيم : لدينا شخصيات في تاريخ الإسلام تحتاج إلى تمحيص في معتقداتهم الدينية ، لا في خدمتهم العملية للبشرية ولكن لا يؤخذون مثالا في الأمور الشرعية ،  كمثل هذا والفارابي وابن الهيثم وغيرهم

من أراد الزيادة في أخبار ابن سينا وعقيدته فعليه بكتاب ( حقيقة معتقد ابن سينا ، وموقفه من أنواع التوحيد الثلاثة ) تأليف أبي عبدالملك أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي ( 1421 ) ، فعموم ما سبق نقلته منه جزاه الله خيرا .

 والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً