الجمعة الثامنة عشرة / الخامس من جمادى الأول لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية والعشرين بعد الثلاثمائة ( 322) في تعداد الجمع ، و الثامنة عشرة ( 18 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق (5 / 5 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أمانة العلم

  هذا النقل سبق أن ذكرته في مختارة سابقة وهو من هامش كتاب ( منهج الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى ) لإبراهيم بن عبدالله المديهش :

  فائدة : أسند القاضي ” عياض ” في ” الإلماع ” ص ( 229 )  إلى أبي عبيد ( ت 224 ) قولَه :  ” من شكر العلم أن تستفيد الشيء فإذا ذكر قلت خفي علي كذا وكذا ، ولم يكن لي به علم ، حتى أفادني فيه فلان كذا وكذا . فهذا شكر العلم ) .

نقله السيوطي في المزهر ( 2 / 273 ) ثم قال : ( قلت : ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا إلا معزوا إلى قائله من العلماء ، مبينا كتابه الذي ذكر فيه ) . ولتعرف ما للسيوطي من عدد تآليف الكتب و الرسائل التي جاوز بعضهم بها الألف ،   انظر هذا الرابط الرصين لتعرف عددا يزيد عن الأربعمائة مؤلف ما بين مطبوع و مخطوط  وما عملت الجامعات حول انتاج هذا العَلَم  وحياته  رحمه الله :

 

اضغط هنا

وكم يخفى علينا  عِلم هذا العَلَم العَالِم ! .

وبما أن الحديث أصلا عن ”  أمانة العلم ” ، وجاء هذا الأمر استطرادا والحديث ذو شجون ،   فهذا كتاب لأبي عبدالله محمد بن عبدالقادر بن عبدالرازق  بعنوان  ( الموقظة في ذم السرقات العلمية بالأثر والحكمة والموعظة ” أمانة العلم ” ) ، طبعته دار الصميعي طبعته الأولى عام (  1438 هـ ) ، ومن لطيف ما جاء فيه ص ( 324 )  : مؤاخذة بشار* الشاعر لتلميذه الذي سرقه وتوبة التلميذ : 

ويحدثنا الرواة أن بشارا حين كتب بيته :

من راقب الناس لم يظفر بحاجته … وفاز بالطيبات الفاتك اللهج .

أخذه تلميذه سلم الخاسر ** فقال :

من راقب الناس مات غما … وفاز باللذة الجسور .

وكان بشار قد قال – حين قال بيته ذاك – : “ما سبقني أحد إلى هذا المعنى ولا يأتي بمثله أحد “.

فلما قال سلم هذا البيت قال راوية بشار  : ” صرت إليه، فقلت : يا أبا معاذ ، قد قال سلم بيتا أجود من بيتك الذي تعجب به .

قال : وما هو ؟ . فأنشدته البيت  ، فقال : أوَّخ ، ذهب ولله بيتي ، لوددت والله أن ولاءه لغير آل أبي بكر الصديق ، فأقطعه وقومه بهجوي ” . وهذا مما يدل على أن بشارا كان  صحيح الدين . ثم نحاه عن نفسه ، حتى كلمه فيه بعض إخوانه فرده .

وفي رواية أخرى ، قال بشار : ذهب والله بيتنا ، أما والله وددت أنه ينتمي في غير ولاء أبي بكر رضي الله عنه ، وأني مغرمٌ ألف دينار محبة مني لهتك عرضه وعرض مواليه ، قال ” يعني راوية بشار : فقلت له : ما أخرج هذا القول منك إلا غم ، قال : أجل ! فوالله لا طعمت اليوم طعاما وَصَمَتَ .

وفي رواية أخرى ، فلما سمع بشار هذا البيت قال : ذهب ابن الفاعلة ببيتي ! .

وفي رواية : غضب بشار على سلم الخاسر واستشاط ، وحلف أن لا يدخل إليه ولا يفيده ولا ينفعه ما دام حيا ، وكان من تلامذته ورواته ، فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه ، فجاءوه في أمره ، فقال لهم : كل حاجة لكم مقضية إلا سلما ، فقالوا ما جئناك إلا في سلم ، ولا بد أن ترضى عنه لنا ، فقال : أين هو الخبيث !! قالوا : ها هو هذا ، فقام إليه سلم فقبل رأسه ومثل بين يديه ، وقال : يا أبا معاذ ! تلميذك وخِرِّيجك وأديبك وعبدك !! فقال : يا سلم ! من الذي يقول :

من راقب الناس لم يظفر بحاجته … وفاز بالطيبات الفاتك اللهج ؟

قال : أنت يا أبا معاذ جعلني الله فداءك ! قال : فمن ذا الذي يقول :

من راقب الناس مات غما … وفاز باللذة الجسور ؟

قال : خِرِّيجك يقول ذلك – يعني : نفسه – قال : أفتأخذ معانيّ التي عنيت بها وتعبت في استنباطها ، فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي حتى يُروى ما تقول ويذهب شعري !! لا أرضى عنك أبدا .

قال : فما زال يتضرع إليه ويتشفع له القوم حتى رضي عنه .

وفي رواية : فاجتذبه إليه وقرعه بمخصرة كانت في يده ثلاثا وهو يقول : لا أعود يا أبا معاذ إلى ما تنكره ولا آتي شيئا تذمه ، إنما أنا عبدك وتلميذك وصنيعتك ، وهو يقول : يا فاسق ، أتجي إلى معنى قد أسهرت له عيني ، وتعب فيه فكري ، وسبقت الناس إليه ، فتسرقه ، ثم تختصره ألفاظا تقربه به لتزري علي وتُذهب بيتي ، وهو يحلف له أن لا يعود ، والجماعة يسألونه ، فبعد لأي وجهد ما ، شفَّعهم فيه وكف عن ضربه ، ثم رجع له ورضي عنه .

فانظر كيف عملت السرقة بين الأحبة ! وكيف عكرت صفو ما كان بينهما ! ، وكيف أشعلت بينهما شرارة البغضاء والتدابر ، وانظر أين أقامت السارق وأي موقف خزي أوقفته ! . 

* بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي ( ولاءً ) (96 هـ – 168 هـ) ، يقال أنه من سلالة ملوك فارس ، كنيته أبو معاذ ، ( ويلقب بالمرعث ) شاعر مطبوع. إمام الشعراء المولدين. ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. ولد أعمى، وكان من فحول الشعراء وسابقيهم المجودين .

**سلم الخاسر : سلم بن عمرو ، وقيل : الخاسر : لأنه تقرأ وبقي في تقرئه مدة يسيرة ، فرقت حاله فاغتم لذلك ، ورجع إلى شيء مما كان عليه من الفسق والمجون ، وباع مصحفا كان ورثه من أبيه ، فاشترى بثمنه طنبورا .

وقيل : باع مصحفا واشترى بثمنه دفتر شعر ، فشاخ في الناس خبره ، فسمي الخاسر بذلك ، وقيل له : ويلك في الدنيا أحد فعل مثلما فعلت ؟ تبيع مصحفا وتشتري بثمنه طنبورا ؟ فقال : ما تقرب أحد إلى إبليس بمثل ما تقربت إليه ، فإني أقررت عينه .

وقد قيل : إنما فعل ذلك مجونا ، ولم يكن رديء الدين ، وأما الذين زعموا أنه اشترى بثمن المصحف الشعر ، فقد رووا في أخباره أنه قد أفاد من الخلفاء والبرامكة بشعره ما أفاده من الأموال الجليلة ، قال : أنا الرابح ولست بالخاسر .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً