الجمعة السادسة عشرة / الثامن عشرة من ربيع ثاني لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والتاسعة والستين ( 269 ) في تعداد الجمع ، والسادسة عشرة ( 16 ) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 18 / 4 / 1439 هـ ) بحسب التقويم .

غلاء الأسعار :

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله  : قدرُ اللهِ خيرٌ  وارتفاع الأسعار من قدر الله والله لا يقدر إلا الخير ولكن كما نقول في أمثالنا ” الخيرة خفية ” نسأل الله تعالى أن يكون الأمر من خير إلى خير ، وأن ييسر لكل مسلم أمره في الدنيا والآخرة ،  وبهذه المناسبة أجزم أن الوقت قد حان للوقوف بجد مع الخطة المالية ( المكتوبة ) وأقول هذا من واقع تجربة شخصية قبل عشر سنوات في خطة مالية مكتوبة ( وقد يحتاج الأمر إلى وقت ليس بالقصير لضبط الميزانية ، ولكن أعتقد أنه وقت يستحق أن ننفقه للوصول إلى درجة الرضا عن مستوى الإنفاق والادخار  ومعرفة الفرق الشاسع بين ما نرغب به وبين ما نحتاجه حقيقة .

ومن المهم جدا معرفة القاعدة الربانية في البسط والإمساك في الإنفاق : وتطبيق قوله تعالى في الإسراء  (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)  يقول ابن كثير  : يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذاما للبخل ناهيا عن السرف ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطي أحدا شيئا كما قالت اليهود عليهم لعائن الله ( يد الله مغلولة )( المائدة 64 ) أي نسبوه إلى البخل تعالى وتقدس الكريم الوهاب .

وقوله : ( ولا تبسطها كل البسط ) أي ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا
وهذا من باب اللف والنشر أي فتقعد إن بخلت ملوما يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة :
ومن كان ذا مال ويبخل بماله على قومه يستغن عنه ويذمم
ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه فتكون كالحسير ، وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفا وعجزا فإنها تسمى الحسير ، وهو مأخوذ من الكلال كما قال تعالى : ( فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير  (  (الملك 3 ، 4)  ، أي كليل عن أن يرى عيبا ، هكذا فسر هذه الآية بأن المراد هنا البخل والسرف : ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد رضي الله عنهم ورحمهم  وغيرهم .

وهنا أهتبل الفرصة وأدل على كتاب ( كيف تنفق أقل دون الإحساس بالحرمان ) لريتشارد تمبلر  وهو من مطبوعات جرير الطبعة الأولى 2010 م ويقع في 203 صفحة من القطع المتوسط  ، وفيه ( 100 ) فكرة ويدور الحديث عن الفكرة في الغالب في ورقة من وجهين ، وكثير منها قد نعتبرها بدهيات ، ولكن في التطبيق قد نتجاهل النتائج الجيدة التي يمكن أن نحصل عليها من جراء بعض الأفكار ، وقد لا نوافق على بعض ما طرح فيه ، إنما في طيات كتابه هو يحرك الماء الساكن ويعول كثيرا على أفكارك الخاصة ،   ولن أقول إنه الفريد في بابه بل غيره كثير إنما أردت أن أنير الطريق بشمعة ولعله يتبعها شمعات ومن الجميل الاستفادة من أفكار الغير  ، فمن أفكاره في صفحة واحدة ( وفر الوقود )   وآخر فقرة ” لا تستسلم” ،  وقال فيها : الجزء الأكبر في أن تنفق أقل دون أن تصبح بائسا يكمن في تغيير طريقة تفكيرك  ، فأنت تحتاج إلى التفكير بطريقة مختلفة حتى تتصرف بطريقة مختلفة  ، ووحد من أكبر التهديدات الخطيرة لتغيير طريقة تفكيرك ، سواء كنت تريد أن تنفق أقل أو تفقد وزنك أو تقلع عن التدخين أو أي شيء آخر ، أنك إذا لم تحصل على نتيجة فورا فإنك تتخلى عما كنت تفعله  ، ومن السهل أن تجد نفسك تردد  : ” لا أستطيع فعل هذا ” أو : ” لن أستطيع أبدا أن أقل من مصروفاتي ” أو : ” لقد كنت أسير بشكل جيد جدا ، لكن بعد التسوق الذي قمت به اليوم ، دمرت كل شيء ” ، وكل هذه الأفكار قد تؤدي إلى ” قد أستسلم ” .

وفي الحقيقة يمكن أن تفوز ما دام يمكن للآخرين الفوز فيمكنك أنت الفوز  ، فليس معنى أن البداية صعبة أن الأمر لن يصبح  سهلا ، وليس معنى أن تنفق اليوم  أكثر مما قد خططت له  ، أنك ستنفق أكثر من احتياجاتك غدا ..

كل مرة تقع فيها تعلم شيئا جديدا  ؟، لذا عندما تسير الأمور بشكل غير ما خططت له ، اسأل نفسك : ماذا  تعلمت للمرة القادمة ؟  … ويمكنك تحويل هذا اليوم إلى يوم إيجابي تعلمت فيه أشياء لم تكن تعرفها ، أو لم تكن تفكر في القيام بها بالفعل بالأمس ، فقم بها الآن  ، فبمرور الوقت ستجد أنك تنفق أقل ، وحتى عندما تنفرج الأمور الاقتصادية ستظل قادرا على أن توفر نقودا أكثر ، لذا سيكون لديك المال الكافي لشراء ما تحتاجه بالفعل .- ( ويقول أبوحكيم :  ستشتري بالنقد وليس بقرض مصرفي أو بقرض حسن من أحد الأصدقاء أو حتى بشراء سيارة بربح مضاعف بشكل قد يفوق الخمسين بالمائة )- ، أيا كان الذي حدث اليوم فإنك تنجح فقط إذا تعلمت أن تنفق أقل دون أن تصبح يائسا .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً