الجمعة الثالثة عشر / الاول من ربيع ثاني لعام 1438هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين وست عشرة (216) في تعداد الجمع ، والثالثة عشرة( 13 ) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 1 / 4 / 1438 هـ ) بحسب التقويم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحمد الله الاجتماع من طبيعة البشر فالإنسان يألف ويؤلف، وقيل : سمي الإنسان بذلك لأنه يأنس إلى غيره – وقيل غير ذلك –  ولي – بحمدالله – مع الإخوة وأبناء العم لقاء أسبوعي من سنوات أوشك على الدخول في عقده الثالث -والحمد الله وأتم الله لنا النعمة وطول العمر على الصحة والسلامة والعمل الصالح – ،  وكما يكون في مجالس الرجال من حديث تتلقح فيه العقول وتركض  في ميدانه  خيول الفكر وإعمال النظر  ، جر الحديث بعضه بعضا  حتى تكلمنا عن ( الشطرنج ) فأخبرتُ من حضر ببداياته وعن طلب ( صِصَّه ) العالم الهندي الذي اخترع هذه اللعبة جائزته  من الملك ، واستقلال الملك لها ، و ملك الهند في زمانه  (بلهيت أو شهرام)  فكلا الإسمين وردا في النص )) فكان بعض جلسائي -غفر الله لنا ولهم – لم يتبين صورة الحال ، ولم ير في طلب ( صِصَّه ) تميزا أو أمرا ذي بال ،  فأكتب اليوم ما قاله شيخنا (ابن خلكان) – رحمه الله- في كتابه العظيم ( وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ) عن ذلك ، وهذ النقل من المجلد الرابع (ص 165 ) طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى ( 1419 )  في ( 6 مجلدات ) بالفهرس ،    تشرح كيف تم الحساب.  ففي ترجمة ( أبي بكر  محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن وصول تكين الكاتب ) ، المعروف بالصولي الشطرنجي قال أبو حكيم : ( البغدادي )   ، وكان أوحد وقته في لعب الشطرنج، لم يكن في عصره مثله في معرفته.

والناس إلى الآن يضربون به المثل في ذلك فيقولون لمن يبالغون في حسن لعبه ” فلان يلعب الشطرنج  مثل الصولي ”
رأيت خلقا كثيرا يعتقدون أن الصولي المذكور هو الذي وضع الشطرنج، وهو غلط، فإن الذي وضعه ( صِصَّه بن داهر الهندي )، واسم الملك الذي وضعه له ( شِهرام )، .وكان ( أردشير بن بابك ) أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع (النرد )، ولذلك قيل له : ( النردشير)  لأنهم نسبوه إلى واضعه المذكور، وجعله مثالا للدنيا وأهلها  ، فرتب الرقعة “اثني عشر بيتا”  بعدد شهور السنة، وجعل القطع “ثلاثين قطعة” بعدد أيام كل شهر، وجعل الفصوص مثل ” القدر “

وتقلبه بأهل الدنيا. وبالجملة فالكلام في هذا يطول ويخرج عما نحن بصدده؛ فافتخرت (الفرس) بوضع (النرد ) وكان ملك الهند يومئذ (بَلْهِيْت )، فوضع له (صِصَّه )  المذكور (الشطرنج ) ، فقضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد لأمور يطول شرحها.
ويقال إن (صِصَّه ) لما وضع الشطرنج وعرضه على الملك (شهرام) المذكور أعجبه وفرح به كثيرا، وأمر أن يكون في بيوت الديانة، ورآه أفضل ما علم لأنه آلة للحرب وعز للدين والدنيا وأساس لكل عدل، وأظهر الشكر والسرور على ما أنعم عليه في ملكه منه، وقال لصِصَّه: اقترح علي ما تشتهي، فقال له: اقترحت أن تضع حبة “قمح ” في البيت الأول، ولا تزال تضعفها حتى تنتهي إلى آخرها، فمهما بلغ تعطيني، فاستصغر الملك ذلك، وأنكر عليه كونه قابله بالنزر اليسير !! ، وكان قد أضمر له شيئا كثيرا، فقال: ما أريد إلاهذا، فرادَّه  فيه وهو مصر عليه ، فأجابه إلى مطلوبه وتقدم له به، فلما قال لأرباب الديوان ، حسبوه ، قالوا ما عندنا قمح يفي بهذا ولا بما يقاربه، فلما قيل للملك ، استنكر هذه المقالة، وأحضر أرباب الديوان وسألهم فقالوا له: لو جمع كل قمح في الدنيا ما بلغ هذا القدر، فطالبهم بإقامة البرهان على ذلك، فقعدوا وحسبوه، فظهر له صدق ذلك  ، فقال الملك (لصِصَّه): أنت في اقتراحك ما اقترحت أعجب حالا من وضعك الشطرنج.
وطريق هذا التضعيف أن يضع الحاسب في البيت الأول حبة وفي الثاني حبتين وفي الثالث أربع حبات وفي الرابع ثماني حبات، وهكذا إلى آخره، كلما انتقل إلى بيت ضاعف ما قبله وأثبته فيه. ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية، وذكر لي طريقا تبين لي صحة ماذكروه، وأحضر لي ورقة بصورة ذلك، وهو أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر فأثبت فيه اثنين وثلاثين ألفا وسبعمائة وثمانيا وستين حبة، وقال: نجعل هذه الجملة مقدار قدح، وقد اعتبرتها  فكانت كذلك، والعهدة عليه في هذا النقل، ثم ضاعف القدح في البيت السابع عشر، وهكذا حتى بلغ (وَيْبَة) (1 ) في البيت العشرين ثم انتقل إلى الوَيْبَات، ومنها إلى ( الأرادب ) ( 1 )، ولم يزل يضاعفها حتى انتهى في بيت الأربعين إلى :  (مائة ألف إردب أربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردبا وثلثين ) ، فقال : تجعل هذه الجملة في (شونه ) (2 ) فإن الشونة لايكون فيها أكثر من هذا، ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين ، فكانت الجملة ( ألفا وأربعا وعشرين شونة ) ، فقال: تجعل هذه في (مدينة )، فإن المدينة لايكون فيها أكثر من هذه الشون، وأي مدينة يكون فيها هذه الجملة من الشون ، ثم ضاعف المدن حتى انتهى في البيت  الرابع والستين – وهو آخر أبيات رقعة الشطرنج – إلى ( ستة عشر ألف وثلثمائة وأربع وثمانين مدينة ) ، وقال: تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد …ا.هـ

قال أبو حكيم  : وبحساب المعاصرين في ويكيبيديا  وضعوها على شكل دوال رياضية ونتيجتها بعد تصويرها  على جدول الشطرنج ، قالوا : (إذا اعتبرنـا وزن ( ألف حبة  قمح ) هو حوالي (40غ )  ، فإن إجمـالي وزن القمح الذي سيكون على رقعة الشطرنج هو (550 مليار طن ) أي حوالي (900) ضعف إنتـاج العالم من القمح في ( 2004 ) حيث كان  (624 مليون طن )  .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

(1 ) وَيْبَة : قال أبو حكيم : في المعجم الوسيط وقاموس المعاني  جمع وَيْبَات ووَيَبَات : اثنان وعشرون أو أربعة وعشرون مُدًّا ، وهو مكيال يختلف بحسب البُلدان / مِكْيال قدره كَيْلتان ، والإردبّ سِتّ وَيْبات .

(2 ) شونة : قال أبو حكيم : في معجم المعاني : الشَّوْنَة : مَخْزَن الغَلَّةِ والْحَصَائِدِ وَالتِّبْنِ وَالعَلَفِ والجمع : شُوَنٌ .

اترك تعليقاً