اليوم يا سادة يا كرام سأبوح لكم ببعض مكنون نفسي وأرجو أن لا تحسبوا أني من أهل التشاؤم أعيذ نفسي وأعيذكم منه ولكن هي نفثات مصدور ومحاولة لتشخيص واقع ضيق حصل في دقائق ولا أعممه ( وتجربة على استحياء أن نحبوا -ولا أقول نمشي – في تتبع أثر الشيخ الطنطاوي في أحاديثه مثل ( مع الناس )
أيها السادة الأماجد : بما أن الله جعل الأمور بمسبباتها فبمناسبة احتفال أهل القصيم قبل البارحة (الأربعاء ليلة الخميس 7/ 2 / 1437 هـ بعد صلاة العشاء ) بتخريج ( خمسمائة ) من حفاظ كتب السنة – بمختلف مراتبهم وأعمارهم – ( في جامع الراجحي في بريدة )، وبدعم من مؤسسة الشيخ الراجحي الخيرية جُزي الخير ، و من حين عرفت بالحفل ووصلتني الدعوة -كما وصلت لغيري – عن طريق وسائل للتواصل الاجتماعي أحببت أن أشرك طلابي في المرحلة الثانوية في خضم الحدث فأعرض عليهم بعض كتب الحديث المحفوظة فعمدت إلى كتاب ( الكتب الستة – البخاري ومسلم والسنن أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ) بمجلد واحد من القطع الكبير طبعة دار السلام تحت إشراف الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ويقع في( 2754) صفحة تقريبا ، ثم هاكم بعض المشاهد في الصفوف الداخلة في قاعة الدرس حيث يغيرون فصولهم لقاعة خاصة في دروسي .
منهم من إذا رأى الكتاب تجد الدهشة قد علت محياه ،حين يرى حجم الكتاب ثم يبادرني بالسؤال ( هل قرأته ؟) .
فلا أجد ما أجيبه عليه إلا بالسؤال ( وماذا سيُحدث لديك من فرق قرأته أم لا؟!! ) ثم إنه في هذا الأسبوع سيتخرج ( 500 ) طالب منهم من يحفظ هذا وأكثر منه وليس مجرد التلاوة .
وفي آخر أيام الأسبوع يوم أمس الخميس كانت نهاية الحديث مع أحد فصول الصف الأول، وذلك بعد الحفل بليلة ، فلم يتصور بعضهم أن يوجد من يحفظ مثل هذا ! ثم كانت الدرر التي خرجت من أفواه بعضهم في تعليل حفظ من حفظ من الحفاظ أن قال : ( أصلاً هم فاضين ) !!!!!!!!! – وأعتذر منكم لعاميتها ، وكأنهم أصلحهم الله قد شغلوا بأمر الأمة حتى عن معرفة الطريق الصحيح لرفعتها وهو التمكن من سنته صلى الله عليه وسلم .
وبما أن المصائب كما يقال : لا تأتي فرادى ، فقد سألت بعض طلاب الصف من منكم يعرف البخاري ؟ حيث أردت أن يكون مدخلا لحديث لعل الله أن ينفع به ، فلم أجد إلا إجابة شوهاء من أحدهم حيث قال : هو عالم أظنه من باكستان !! فلا أدري والله السوء بسؤالي وطريقته ، أم بالعقول الخالية من رمز من أعظم رموز اﻹسلام ومن صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله !! وأجزم أن لا خلل في عقولهم بل الخلل في ترتيب الأولويات في حياتهم ومعرفة المهمات ، وهذا باب واسع وكل يحمل من تبعاته فأسأل الله مغفرته .
ثم جاءت القاضية وأكملتْ ظلام اللوحة السوريالية الشوهاء التي يرسمونها في مخيلتي أن نثر أحدهم درره فقال : وما الفائدة أن نعرف ؟؟
فلما سمعتها انبريت وبانفعال – شديد -أفند ما استقر في أذهانهم من عدم فائدة المعرفة والمهم أن ننجح في دروسنا ، وما سوى ذلك فلا فائدة فيه بزعمهم ( بعضهم ولا أقول الكل فالحق أن ثلاثة من ثمان وعشرين ذكروا أنهم ختموا أكثر من عشرة كتب في مسيرتهم ) ، وكان مما قلت : أن نرفع الجهل عن أنفسنا بمعرفة أصح كتاب بعد كتاب الله في علم الحديث ، فكان رد بعضهم علي: ما دمنا قد عرفنا أن نقرأ ونكتب فقد ارتفعت عنا وصمة الجهل !! .
ثم كمُلت لائحة الاعتراضات بأن قال لي أحدهم : حسن يا أستاذ وما يدريني أن هذا الحديث فعلا في البخاري وليس منسوبا له ؟
فذكرت له أن الحديث يروى بالسند وأن حفظ السنة من حفظ القرآن الذي تكفل الله به لأنها له مبينة مفسرة ، وأن الأمة تأخذ الحديث رواية كابر عن كابر و لاحق عن سابق وهكذا ، وهناك مواقع موثوقة وطبعات معروفة لهذه الكتب يعرفها أهل العلم .
فرفع أحدهم يده مستأذنا في الحديث وسألني : هل تحفظ القرآن كاملا ؟؟ فقلت له : لا ، فقال : فكيف تريد منا قراءة هذه الكتب وأنت لا تحفظ القرآن ؟ فسألته : هل حفظ القرآن كله واجب ؟ أو تلاوته وتدبره ومعرفة معانيه هو الواجب ؟ فقال الأخرى ، فحمدت الله أن وجدت شيئا عظيما نتفق عليه .
وخُتم المجلس بأن قال لي أحدهم ملطفا الجو : والله يا أستاذ تأتينا بأسماء كتب لا أدري من أين تأتي بها ؟!
فبعد هذه الدرة ، أقفلت الحديث ، وقلت لهم افتحوا صفحة ( 106 ) في كتاب التوحيد والعجيب أننا ندرس باب توحيد الأولهية ومنه شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذه صورة أنقلها من مخيلتي ومن الطبيعي أن أكون في نقلي فارسها ، ولربما لو نقل لكم الطلاب الصورة لكنتُ المجروح المثخن أجرجر أذيال الهزيمة ، وهم المنتصرون الفائزون .
هذه صور أردت بها التنبيه ولست هي الصورة الوحيدة فهناك صور جميلة تستحق الإشادة ، ولعل كل قاري لرسالتي يجعل من سيرته صلى الله عليه وسلم ومن حديثه نصيبا أسبوعيا لنفسه ولأهل بيته .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد