الشيخ الإمام العلم العلامة أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي – رحمه الله – من أحفاد الفقيه فقيه المدينة القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي البكري القرشي البغدادي الحنبلي الواعظ – رضي الله عنهم – ، ( قال أبو حكيم : فقهاء المدينة السبعة المشهورين هم كما قال الناظم :
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر …. روايتهم ليست عن العلم خارجة
فقل هم عبيد الله عروة قاسم …. سعيد أبو بكر سليمان خارجة .
وبالتفصيل : عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، و عروة بن الزبير بن العوام ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، و خارجة بن زيد ، وسابعهم أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث رضي الله عنهم ورحمهم وعنا معهم ) .
ولد ابن الجوزي : في (508 أو 509 أو 510 هـ ) وتوفي – رحمه الله – عام ( 597 هـ / 9 / 13 )
اشتهر بالوعظ وكان يحضر مجالسه الملوك والأمراء وبعض الخلفاء والأئمة الكبراء ، لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة قال سبطه أبو المظفر قال أبو حكيم : ( سبط يعني : ابن بنت ابن الجوزي ) وأبو المظفر هذا – مع الأسف – له كتاب ( تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة ) – مطبوع – قال عنه ابن تيمية في منهاج السنة كما نقل ذلك يوسف العتيق في ( قصص لا تثبت ) – وتكلمنا عن في مختارة سابقة – فهذا الرجل يذكر في مصنفاته نوعا من الغث والسمين … وكان يصنف بحسب مقاصد الناس يصنف للشيعة ما يناسبهم ليعوضوه عن ذلك ، ويصنف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه ، فكانت طريقته طريقة الواعظ الذي قيل له : ما مذهبك ؟ قال : في أي مدينة ؟
وفي ميزان الاعتدال قال الشيخ محي الدين السوسي : لما بلغ جدي موت سبط ابن الجوزي قال : ( لا رحمه الله كان رافضيا ) .
قال السبط : سمعت جدي على المنبر يقول بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة ، وتاب على يدي مئة ألف ، وأسلم على يدي عشرون ألفا وكان يختم في الأسبوع ، وكان لا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس . ا. هـ
وألف رحمه الله في فنون شتى من : تفسير ، وتاريخ ، وحديث ، وفقه ، وتاريخ ، وأدب ، ولغة وكان رحمه الله لا يضيع من زمانه شيئا يكتب في اليوم أربع كراريس فمن كتبه ( المنتظم في التاريخ) مطبوع طبعات منها طبعة دار الكتب العلمية ( 17 مجلدا ) ومنها الكتاب الرائع ( صيد الخاطر) وغيرها ، والحاصل أن سبطه ذكر أن كتبه تنوف عن ( 250 )مؤلفا ، وذكر الذهبي عن المؤرخ ابن الدبيثي : قيل نيفت تصانيفه على الثلاث مائة ، ونقل الذهبي عن المؤرخ البُزوري أنها تزيد على ( 340 ) مصنفا ما بين عشرين مجلدا إلى كراس ، وقام الأستاذ عبدالحميد العلوجي بوضع كتاب في مؤلفاته المخطوطة والمطبوعة وطبع الكتاب طبعته الأولى في بغداد عام ( 1385 هـ ) وطبع هذا الكتاب طبعة جديدة ومزيدة عن جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ووصل حصرهم إلى ( 372 ) مؤلفا ما بين مخطوط ومطبوع في الطبعة الأولى وفي الطبعة الجديدة والمزيدة صار عدد المؤلفات ( 574 ) مؤلفا ما بين مطبوع ومخطوط .
وما بين أيدينا الآن كتاب لطيف في عنوانه ( تنوير الغبش في فضل السودان والحبش ) طبعته دار الشريف الطبعة الأولى ( 1419هـ ) ( حققه : مرزوق بن على بن إبراهيم ) ، يقع الكتاب في ( 322 ) صفحة من القطع العادي ( 17 × 24 سم ).
ولم يُسبق – رحمه الله – لهذا الفن فمن جاء بعده عالة عليه فألف السيوطي ( رفع شأن الحبشان ) و ( أزهار العروش في أخبار الحبوش وهو تلخيص لسابقه ، و( نزهة العمر في تفضيل البيض والسمر ) ، ولخطيب المدينة ( 991هـ ) محمد بن عبدالباقي البخاري أبي المعالي كتاب ( الطراز المنقوش في أوصاف الحبوش ) ونفس العنوان لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلي ثم القاهري .
قال ابن الجوزي في مقدمة كتابه : أما بعد : فإني رأيت جماعة من أخيار الحبشان تنكسر قلوبهم لأجل اسوداد الألوان ، فأعلمتهم أن الاعتبار بالإحسان لا بالصور الحسان ، ووضعت لهم هذا الكتاب في ذكر فضل كثير من الحبش والسودان ، وقد قسمته ثمانية وعشرين بابا ، والله المستعان .
ومن طريف الأبواب البابُ الرابعُ والعشرون : في ذكر من كان يؤثر الجواري السود على البيض ومن كان يعشقهن ومن مات من عشقهن !! .
أحب لحبها السودان حتى …… أحب لحبها سود الكلاب
وذكر هذا البيت في خبر لا يثبت عن عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما .
ومن ذلك ما ذكره محمد بن سلام قال : عرض إنسان أسود لامرأة كان لها ابن عم يعشقها فأجابت الأسود فقال ابن عمها :
شابت أعالي قروني وانجلى بصري …. فما أحدث عن قمرية الوادي
نُبئت أن غرابا ظل محتضنا قمرية …. فوق أغصان وأعواد
ثم في الختام أقول : قال المرزبان وأخبرني إسحاق بن أبان عن العتبي أنه قال في جارية سوداء كانت له :
ثكلتها إن لم يكن وجهها …. أحسن عندي من رجوع الشباب
والمعاني في هذا كثيرة ومن قرأ الكتاب وجد فيه ما رُمت إليه من نبذ العنصرية المقيتة .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .