الجمعة الخامسة والعشرين / الثامن والعشرين من جمادي الثاني لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة والعشرين بعد المائة (127) في تعداد الجمع ، والجمعة الخامسة و العشرين (25 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 28 / 6/ 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  تأخرنا عليكم اليوم ولذا سنحمض بكم قليلا لنطرد السأم والملل  واليوم نركب مع ياقوت الحموي ( ت 626 هـ ) في معجم الأدباء فقد جاء بكلام  لأبي حيان التوحيدي – ولا تثربوا علي مع (أبي حيان)  فقد أفضى إلى ما قدم  ولنا فائدة حديثه وما علينا من فعله ( ينفعك قولي ولا تضررك أفعالي ) .

ياقوت الحموي رحمه الله ألف المعجم في عشرين جزاء وطبع في عشر مجلدات ،  وما أتكلم عنها طبعة دار إحياء التراث العربي  في لبنان .

في الجزء (الخامس عشر ) تكلم عن ( أبي حيان التوحيدي ، علي بن محمد بن العباس ) وأطال النفس في سيرته بما يزيد عن الخمسين صفحة )  وقال في وصفه  ( أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء ، وكان جاحظيا يسلك في تصانيفه مسلكه  ، وهو سخيف اللسان قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان  ، الذم شأنه والثلب دكانه  ، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة  … الخ )  ،  ومما ذكر ياقوت عنه   قوله في كتابه المحاضرات : ( قصدتُ أنا والنّصِيبِيُ رجلا من أبناء النعيم الموصوفين بالكرم ، لا يَرُد سائليه ، ولا يُخّيب آمليه  ، والألسن متفقه على جوده وتطوّله  ، والعيون شاخصة إلى عطاياه وفضله ، له في السنة مبار  كثيرة على أهل العلم وأهل البيوتات ، ومن قعد به الزمان وجفاه الأخوان ، فلم نصادفه في منزله ، ثم قصدناه ( ثانيا ) فمُنعنا من الدخول إليه ، وقصدناه ( ثالثا) فذُكر أنه ركب ، وقصدناه ( رابعا)  فقيل هو في الحمام  ، وقصدناه (خامسا) فقيل هو نائم ، وقصدناه (سادسا)  فقيل عنده صاحب البريد  وهو مشغول معه بمهم ، وقصدناه (سابعا)  فذُكر أنه رسم ألاّ يؤذن لأحد   ، وقصدناه (ثامنا)  فذُكر أنه يأكل ولا يجوز الدخول إليه بوجه ولا سبب ، وقصدناه (تاسعا) فذُكر أن أحد أولاده سقط من الدرجة وهو مشغول به عند رأسه ما يفارقُهُ ، وقصدناه (العاشرة) فذُكر أنه مستعد لشرب الدواء ، وقصدناه (الحادي عشر) فذُكر أنه تناول  الدواء من يومين ، وما عمل عملا  وقد قواه اليوم بما يحرك الطبيعة ، وقصدناه (الثاني عشر) فقيل إلى الآن كان جالسا ونهض في هذه الساعة ودخل إلى الحجرة ، وقصدناه (الثالث عشر ) فقيل دّعي إلى الدار  لمهم  ، وقصدناه (الرابع عشر )  فألفيناه في الطريق يمضي إلى دار الإمارة ، وقصدناه (الخامس عشر)  فسَهُل لنا الإذن فدخلنا في غمار الناس ، والناس على طبقاتهم جلوسٌ  وجماعة قيام يرتبون الناس ويخدمونهم وقد اتفق له عزاء  ، وشغل بغيرنا وبقينا في صورة من احتقان البول والجوع والعطش وما أُقمنا في جملة من يُقام .

فقال لي النصيبي : هذا اليوم الذي قد ظفرنا به وتمكنا من  دخول  داره صار عظيم المصيبة علينا ، ليس لنا إلا مهاجرة بابه ، والإعراض عنه ، وقمع النفس الدنية بالطمع في غيره   .

فقلت  له : قد تعبنا وتبذلنا على بابه  ، والأسباب التي قد اتفقت فمنعت من رؤيته  كانت عذرا واضحا ويتفق مثل هذا ، فإذا انقضت أيام التعزية  قصدناه ، وربما نلنا من جهته ما نأمله ، فقصدناه بعد ذلك أكثر من ( عشرين مرة ) وقلما اتفق فيها رؤيته وخطابه حتى مل النصيبي فقال : ( قال أبو حكيم وأستغفر الله مما قال ونقلتها كما وجدتها )

( لو علمت أن داره الفردوس  ، والحصول عنده الخلود فيها ، وكلامه رضا الله تعالى وفوز الأبد لما قصدته بعد ذلك ) .

 وأنشأ يقول :

طلبُ الكريمِ ندى يد المنكودِ   …    كالغيث يُستسقى من الجلمود

فافزع إلى عز الفراغ ولُذْ به    ….    إن السؤال يريد وجه حديد .

فأجبته أنا وعيناي بالدموع تترقرق  لما بان لي من حرفتي ، ونبو الدهر بي وضياع سعيي ، وخيبة أملي في كل من أرتجيه لـمُلمٍ أو  مهم ٍ  أو حادثة أو نائبة :

دنيا دنت من عاجز وتباعدت    ….    عن كل ذي لب له خطر ُ

سَلِمَتْ على أربابها حتى إذا    ….   وصَلتْ إليّ أصابَها الحصرُ  .

قال أبو حكيم  : يا هذا لو أنك جعلت هذا التردد على باب صاحب النعمة في تعلم صنعة فستحذقها  حتى لا تحتاج إلى سؤال أحد   ، ولحصلت على الدنيا كما تشتهي  وتريد ،  والحمد الله أن أباحيان  قد مات وإلا لرأيتُ منه  الأهوال لقولي ذلك   .

غفر الله لمن مات على الإسلام  ، وحفظ الأحياء على الدين والعمل الصالح

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً